
مع إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه ووقف النشاط المسلح، تلوح في الأفق فرصة تاريخية للعراق، لاستعادة السيطرة على مناطق جغرافية كبيرة في الشمال تتعدى إقليم كردستان، لتصل إلى نينوى وأطراف كركوك بمساحة تتجاوز أربعة آلاف كيلومتر مربع، ورغم الترحيب الحكومي بالقرار، إلا أن القلق تصاعد من تداعياته، لا سيما من ناحية الوجود التركي العسكري داخل العراق.
نواب ومختصون في الشأن السياسي، شككوا، بنوايا تركيا تجاه العراق، رغم حل حزب العمال الكردستاني نفسه وعزمه تسليمه السلاح، مؤكدين أن غايات أنقرة تتعدى ذلك، ولن يكون هناك انسحاب على المدى القريب.
وعلى مدار ما يقرب من 5 عقود، خاضت تركيا حربا مع حزب العمال الكردستاني، الذي أسسه أوجلان عام 1978، وتمحور معظم القتال على رغبة الجماعة في إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرق البلاد، لكن في السنوات الأخيرة، دعت الجماعة إلى مزيد من الحكم الذاتي داخل تركيا نفسها.
وقال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث سورجي، في حوار متلفز، “إنني من أهالي بعشيقة وقد كنت مسؤول حزبي لأكثر من عشر سنوات فيها ولا أزال في الموصل، حيث تبعد بعشيقة نحو 12 كم عن مركز مدينة الموصل، ولا يوجد فيها أكراد، ولا أفراد لحزب العمال الكردستاني”، مؤكدا أنه “منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني لم يصل أحد منهم إلى جبل بعشيقة”.
وأضاف “في المقابل تركيا أنشأت معسكر استخباراتي على جبل بعشيقة، لجلب المرتزقة من العراقيين تحت مسميات حرس نينوى، ودرع كركوك، بحجة حماية هذه المناطق”، متسائلا “هل العراق وإقليم كردستان لا يمتلكان قوات لحمايته؟”.
وتابع أن “الأفعال التركية أشك بأمرها وأنا متأكد حتى لو سلم حزب العمال الكردستاني سلاحه، فإن تركيا لن تنسحب من العراق، من الممكن أن تسحب جيوشها ولكن قواعدها سوف تبقى”.
وأكد أن “تركيا لديها غايات أكبر من حزب العمال الكردستاني، حيث أن عينها على نينوى وكركوك”.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي، جواد جوك، إنه “لا يوجد انسحاب للجيش التركي من العراق على المدى القريب”، مبينا أن “حل حزب العمال الكردستاني نفسه وتسليم سلاحه من الممكن أن يسرع من عملية الانسحاب، لكن ليس على المدى القريب”.
وأضاف أن “تركيا تقول أنها تريد أن تطمئن من عدم تأثير حزب العمال الكردستاني على الأمن التركي، وتريد أن ترى خطوات عملية لترك السلاح، فضلا عن وجود طريق للتنمية وهذا يحتاج إلى الأمن، وبالتالي فأن الجيش التركي سوف يستمر للمدى المتوسط”.
وفي السياق ذاته، يرى عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الشمري، أن “تركيا لديها أبعاد أكبر من حزب العمال، والدليل أنها قامت ببناء معسكرات كونكريتية ثابتة داخل الحدود العراقية بأعماق كبيرة، بالإضافة إلى قيامها بإنشاء الوية تابعة لها”.
وأضاف “اليوم لدينا لواء 300 في بعشيقة في معسكر زليكان تحديدا، وهذا مجهز من تركيا بالسلاح والرواتب، فكيف يتم الانسحاب”.
ورحبت وزارة الخارجية العراقية، بقرار حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، فيما أشارت إلى أن القرار يشكل مدخلا لإعادة النظر في الذرائع والمبررات التي استُخدمت لتبرير وجود قوات أجنبية على الأراضي العراقية.
ووفقا لبيان صدر، يوم الاثنين، عن حزب العمال الكردستاني واحتوى على قرارات مؤتمره الاستثنائي الثاني عشر، الذي عقد الأسبوع الماضي، فقد تقرّر “حلّ البنية التنظيمية للحزب، وإنهاء الكفاح المسلح”، وبالتالي إنهاء الأنشطة العسكرية التي كانت تمارس في تركيا والعراق وسوريا على حد سواء، تحت عنوان حزب العمال الكردستاني”.
وقال رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان البارزاني، إن “قرار حزب العمال الكردستاني إلقاء سلاحه يعزز الأمن الإقليمي”، مبينا أن “هذا الإعلان يفسح المجال لتعزيز التعايش والاستقرار في تركيا والمنطقة”.
كما أعلن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، دعمه الكامل لنجاح عملية السلام في تركيا، فيما أعرب عن أمله بأن يفضي قرار حل حزب العمال الكردستاني لنتائج جيدة.
ودعا الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، الحكومة العراقية والبرلمان العراقي إلى اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لضمان سيادة العراق، وعلى رأسها الشروع الفوري في إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية، وذلك عقب إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح، بناء على مبادرة زعيمه عبد الله أوجلان، فيما عد الأمر خطوة تاريخية نحو إنهاء أكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح مع الحكومات التركية المتعاقبة، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الضحايا.
من جهة أخرى، قالت الرئاسة التركية، إن “حل حزب العمال الكردستاني ليس عملية قصيرة الأمد أو سطحية”، مؤكدة أن “تركيا ستُتخذ التدابير اللازمة لضمان مضي عملية حل حزب العمال الكردستاني بشكل سلس”.
وتعتبر جبال قنديل وسنجار، ومناطق أخرى من العراق، معقلا لـ”العمال الكردستاني”، الذي تصنفه بغداد منذ عام 2024 بأنه حزب محظور، بينما تشن تركيا التي تدرجه على لائحة الإرهاب هجمات متكررة على مواقعه هناك، فضلا عن تواجدها العسكري في الداخل العراقي.
وكان أوجلان الذي يقبع في سجن تركي منذ عام 1999، ويقضي عقوبة السجن المؤبد مدى الحياة، قد أبلغ حزبه عبر نواب أتراك من “حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية” المؤيد للكرد كانوا قد زاروه في سجنه، أمره لجميع المجموعات المسلحة بإلقاء السلاح وحل الحزب.
وكشفت مصادر مطلعة، أن “حزب العمال الكردستاني سوف يسلم سلاحه بالكامل للدولة العراقية، ومن ثم ينخرط البعض منهم في الحياة الطبيعية بشمال العراق، فيما سيلجأ البعض الآخر إلى بلد (لم يتم الإعلان عنه) من أجل مواصلة الحياة بشكل سلمي”.
وكان عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، أصدر في 27 شباط الماضي، بيان يدعو فيه إلى إلقاء السلاح وإنهاء الصراع المسلح الذي استمر لأكثر من أربعة عقود مع الدولة التركية.
وتسبب وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، بالعديد من الأزمات السياسية بين البلدين، وتكمن صعوبة إجراء تفاهمات كاملة بين حكومة العراق والحكومة التركية، بشأن إنهاء وجود مسلحي الحزب في العراق في عدة عوامل ميدانية عسكرية، أبرزها وجود الحزب في مناطق يصعب وصول القوات العراقية إليها، ضمن المثلث العراقي الإيراني التركي الواقع تحت إدارة إقليم كردستان، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه مسلحو الحزب من فصائل مسلحة، توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خصوصا في مناطق سنجار، غرب نينوى.
أقرأ ايضاً
- امتعاض في العراق.. تبرع ومساعدات خارجية رغم الفقر والأزمة المالية
- العراق يرفض تقارير الانكماش الاقتصادي: متحصنون بالدولار
- في العراق.. عمال النظافة يعتمدون على دعم الناس للاستمرار