
يعود النقاش حول شكل الحكومة المقبلة إلى الواجهة في العراق، وسط أجواء انتخابية مشحونة، ففيما يدفع فريق مقرب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نحو تثبيت قاعدة “من يملك العدد يحكم”، تؤكد قوى سياسية تقليدية أن “التوافق” يبقى المدخل الأساسي لتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، إن “احترام نتائج الانتخابات يمثل نقطة جوهرية في مسار العمل السياسي، باعتبارها تعكس الإرادة الحقيقية للشعب، وأن معادلة المقاعد الناتجة عنها يجب أن تكون الأساس في تشكيل أي حكومة قادمة”.
ويضيف الهلالي، أن “تجاهل هذه النتائج والذهاب كليا نحو معادلة التوافق بمعزل عنها يعد خطرا على العملية الديمقراطية، وقد يؤدي إلى خلق توازنات هشة لا تستند إلى قاعدة شعبية حقيقية، مما يهدد الاستقرار السياسي على المدى البعيد”.
ويتابع أن “التوازن بين التمثيل الحقيقي والتوافق السياسي يجب أن يدار بعناية، بحيث لا يتم تغييب الإرادة الشعبية، ولا يتم تعطيل مبدأ التداول السلمي للسلطة، كون الديمقراطية لا تعني فقط التوافق، بل تعني احترام رأي الأغلبية وصوت المواطن”.
ويعد التوافق السياسي إحدى الركائز غير المكتوبة في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، حيث تقوم أغلب التفاهمات المتعلقة بتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب السيادية على مبدأ المحاصصة والتوازن بين المكونات، وعلى الرغم من اعتماد الانتخابات كآلية دستورية لاختيار أعضاء البرلمان، إلا أن النتائج النهائية غالبا ما تكون رهن التحالفات والاتفاقات، التي تفضي إلى تشكيل السلطة التنفيذية، بعيدا عن حجم المقاعد البرلمانية لكل طرف.
وشهدت الدورات النيابية المتعاقبة منذ 2005 اعتماداً واضحاً على التفاهمات السياسية لتسمية رؤساء الحكومات، بدءا من إبراهيم الجعفري مرورا بنوري المالكي، ثم حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، وصولا إلى مصطفى الكاظمي، وأخيراً محمد شياع السوداني.
ولم تشكل أي حكومة بناءً على نتائج انتخابية حاسمة، بل ظلت خاضعة لمعادلات التوافق التي غالبا ما تعكس ميزان القوى داخل الإطار السياسي لا داخل البرلمان فحسب، وهو ما ساهم في ترسيخ فكرة أن “الكتلة الأكبر” تحدد بعد الانتخابات لا قبلها.
بدوره، يؤكد عضو ائتلاف دولة القانون، وائل الركابي، أن “الانتخابات المقبلة في العراق لن تبتعد عن نهج التوافق السياسي، خاصة وأن التجارب السابقة أثبتت أن هذا المسار هو السائد في تشكيل الحكومات المتعاقبة”.
ويضيف الركابي، أن “الكتل السياسية التي ستحصل على عدد أكبر من المقاعد سيكون لها تأثير واضح وستضغط لتحقيق مطالبها، إلا أن الحسم سيبقى بيد التوافق بين الأطراف المختلفة”، لافتا إلى أن “ما يطرح في المرحلة الحالية من مواقف وخطابات يقع في إطار الضغوط السياسية”.
وبحسب نواب وشخصيات مقربة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فإن الأخير يجهز تحالفا سياسيا واسعا لخوض الانتخابات المقبلة، إضافة إلى تحالف مع عدد من المحافظين ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
وينظر إلى هذا التحالف بوصفه محاولة لتعزيز الحضور الانتخابي لرئيس الوزراء داخل البرلمان المقبل، وتمكينه من دخول مفاوضات تشكيل الحكومة من موقع أقوى، في ظل تنافس متصاعد داخل البيت الشيعي وتصدّع بعض الاصطفافات التقليدية.
وبحسب تصريح سابق للنائب محمد الصيهود، وهو مقرب من رئيس الوزراء، فإن الإطار التنسيقي عرض على السوداني عدم الدخول في الانتخابات مقابل منحه ولاية ثانية، مشيرا إلى أن العرض ذاته قدمه الإطار سابقا إلى مصطفى الكاظمي، دون الوفاء به، وقد أكد في تصريحه أن الاستقرار لا يتحقق إلا من خلال المعادلة الانتخابية والمعادلة الشعبية، ومن يتصور أن المسألة توافقية فقط فهو مخطئ، لأن هناك من يريد ضرب هذه المعادلة وتجاوز إرادة الشعب.
من جهته، يبين المحلل السياسي علي ناصر، أن “الجدل الدائر حول مفهوم الكتلة الأكبر لا يزال يمثل إشكالية دستورية وسياسية كبيرة في العراق”.
ويشير ناصر، إلى أن “تحديد الكتلة الأكبر يجب أن يتم داخل مجلس النواب، وليس قبل الانتخابات أو من خلال تفاهمات خارجية، ما يعني أن الانتخابات المقبلة ستعتمد على التوافقات السياسية”.
ويلفت إلى أن “من يحصل على العدد الأكبر من المقاعد داخل البرلمان، ومن ينجح في تشكيل الكتلة الأكبر داخله، سيكون من حقه تشكيل الحكومة”، لافتا إلى أن “المشكلة الأكبر تكمن في اختيار رئيس الوزراء، حيث يجب حسم هذا الخيار مبكرا ليكون معروفا برنامجه السياسي وفريقه الحكومي”.
ويشير إلى أن “الانتخابات المقبلة لن تختلف كثيرا عن سابقاتها، ما لم يكن هناك وعي شعبي ورفض للعزوف الانتخابي، كون استمرار الفجوة الكبيرة بين المواطن العراقي من جهة، والسلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة أخرى، سيبقي حالة عدم الثقة راسخة في المشهد السياسي”.
وتعرض التحالف السياسي المرتبط بالسوداني خلال الأسابيع الماضية إلى حالة من التفكك، بعد سلسلة انسحابات بارزة شملت منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وتحالف “خدمات” بقيادة أحمد الأسدي، إلى جانب شخصيات أخرى مثل شبل الزيدي، وحيدر الغراوي، ممن كانوا قد التحقوا بالتحالف خلال الفترة السابقة.
يذكر أن ملف “التوافق” و”الأغلبية” تسبب في الانتخابات المبكرة التي جرت في 2021، بانسحاب التيار الصدري من البرلمان وعدم مشاركته بتشكيل الحكومة، حيث أصر على تشكيل الحكومة وفق مبدأ “الأغلبية”، أي بالاعتماد على عدد مقاعد كل كلتة، لاسيما وأنه كان صاحب العدد الأكبر بـ72 مقعدا نيابيا.
وبعد انسحاب الصدر، تشكلت الحكومة الحالية، عبر التوافق، من خلال تشكيل ائتلاف إدارة الدولة، الذي ضم جميع الكتل السياسية، وجرى الاتفاق على السوداني ومنح الثقة في البرلمان.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- السوداني بين نيران الصراع.. رشاوى "خور عبد الله" و"ضغوط الشرع"
- بغداد وأربيل.. عودة للتوتر و"تهديد" بالانسحاب من العملية السياسية
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟