- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تحذير من مفاسد الخمر وأسباب انتشارها
حجم النص

بقلم:حسن الهاشمي
أتكون للناس نعمة العمل الخلاق وهم عنها غافلون؟! اما عرفوا انها النعمة المثلى التي خصّ بها الانسان دون باقي الكائنات، وإنها السلّم التي بها يرقى الانسان الى الكمال، نعم إنها نعمة العقل وما أدراك ما نعمة العقل، فبها نعمل ونكدح، وبها نفكّر ونبتكر، وبها نبني ونطوّر، وبها نعمل كلّ جميل، وبدونها نكون مكبّلين بكل قبيح، وهكذا فإن الذي استخدم لبّه في الحياة فاز ونجح، وويل لمن عطّل هذه النعمة الإلهية العظيمة، فإنه يفتح عليه أبواب الشر، ولات حين مندم.
ان لشارب الخمر رائحة كريهة تنفّر عنه كلّ من جالسه، وهي رائحة تنبعث من الذين يرتكبون الحرام ويتجرؤون على أحكام الدين، ولا يمكن إزالة هذه الرائحة الكريهة ولاسيما المعنوية منها الا بالاستغفار والتوبة والإنابة الى الله تعالى بترك الذنب وعدم الرجوع اليه مرة أخرى، ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (تعطرّوا بالاستغفار لا تفضحنّكم روائح الذنوب) بحار الأنوار للمجلسي: 93 / 278 / 7. المؤمن اذا اذنب لابد ان يتدارك هذا الذنب بعمل حتى لا تستمر عملية الذنوب ثم بعد ذلك يحيد رويداً رويداً عن التعرّض الى رحمة الله تبارك وتعالى.
ولذلك كان حث الشارع الاقدس حفاظاً علينا ان ينبهنا دائماً الى مسألة التوبة والذي ذكّرنا بها امير المؤمنين (عليه السلام): (تعطرّوا بالاستغفار) لأن لهذه الذنوب روائح كريهة مهما كان الذنب صغيراً او كبيراً وهذا التعبير تعبير تقريبي حتى نفهم الانسان عندما تخرج منه رائحة كريهة يتنفر منه الاخرون، لابد ان يسرع الى ان يزيل هذه الرائحة الكريهة عنه، وهذا المزيل تارة يستعمل له المنظفات المادية كالصابون والمعطرات وما اشبه، وتارة الرائحة من نوع آخر وهي تنفّر الملائكة من الانسان ويُبعد نفسه عن رحمة الله، امير المؤمنين (عليه السلام) يقول تعطرّوا بالاستغفار؛ لإزالة الروائح المعنوية كما تتم ازالة الروائح المادية، والاستغفار هو نوع من التربية، وهذا هو ديدن الأنبياء والمرسلين جاءوا لتربية البشر وانقاذهم من الضلالة الى الهدى، ومن سخط الله تعالى الى رضاه، ومن مخالطة الطغاة والأبالسة الى صحبة الأنبياء والأولياء والصالحين، وما أحلى ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الشأن: (مثل شارب الخمر كمثل الكبريت فاحذروه لا ينتنكم كما ينتن الكبريت، وإن شارب الخمر يصبح ويمسي في سخط الله، وما من أحد يبيت سكران إلا كان للشيطان عروسا إلى الصباح، فإذا أصبح وجب عليه أن يغتسل كما يغتسل من الجنابة) بحار الأنوار للمجلسي: ٧٩ / ١٥٠ / ٥٨.
جاء في الموسوعة الحرة (وكيبيديا) ان مركّبات الكبريت العضوية تتميّز بأنها ذات رائحة كريهة، ولها دور في الرائحة المنفّرة في النفط والغاز الطبيعي، وكذلك في الثوم والبصل؛ كما أن كبريتيد الهيدروجين مسؤولٌ عن صدور الرائحة الكريهة للبيض العَفِن، من جهةٍ أخرى، فإن لأكاسيد الكبريت أثر بيئي كبير، فهي من مكوّنات المطر الحمضي.
الجهل وانعدام الوعي وقلة الثقافة الدينية هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى استفحال ظاهرة شرب الخمر وتناول المخدرات، وكما أن الأرض السبخة لا ينبت عليها سوى الشوك والحنظل والأدغال، فإن انعدام التربية الصالحة سوف يولد جيلا تكتنفه الكثير من عوامل الفساد والافساد، ومعاقرة الخمر ورواجها ما هي إلا نتيجة تلك البيئة السيئة التي مهّدت لظهور تلك الآفات الضارة والفايروسات القاتلة في المجتمع، ولكي نحصّن أنفسنا من التلوّث بهذه الملوثات ينبغي علينا القضاء على الحواضن الممهدة لطلوع تلك الافرازات الخبيثة، والعمل على تنشئة الجيل الواعي ابتداء من البيت ومرورا بالمدرسة وانتهاء بالجوامع والكليات والمعاهد الدينية والعلمية وكافة الوسائل الاعلامية الهادفة، وتبيان أثر هذه المسكرات على تخلّف الأمة وانحطاط أفرادها، أما الأسباب التي أدت إلى انتشار الخمر والمسكرات في المجتمع كثيرة منها:
أ ـ الابتعاد عن الصلاة ما يؤدي إلى ضعف الرقابة الدينية، ومن لا يراقبه الله في أعماله وأقواله يضيّعه الله تعالى ولا يحفظه، ومن لا يحفظه الله فقد هلك.
ب ـ سوء التربية البيتية، فإن مسؤولية الأب والأم كبيرة، فالشاب الذي تربّى على واقع هش وينقصه الوازع الديني والأخلاقي لا يستبعد منه أن يقدم على شرب الخمر وارتكاب أنواع المعاصي الأخرى.
ج ـ فراغ القلوب من طاعة الله تعالى ومن ذكره ومحبته تؤدي إلى الانقياد في طاعة الشيطان ومغريات الدنيا الفانية.
د ـ قرناء السوء الذين خدعوا شبابنا وصوروا لهم الدين على إنه تخلّف ورجعية وتزمّت.
هـ ـ تعاطي العقاقير التي تحتوي على نسبة كبيرة من المخدرات على أنها تهدئ الأعصاب وتريح البال، والإدمان عليها يؤدي غالبا إلى الأمراض المزمنة والموت المحتّم.
و ـ وسائل الإعلام الهدّامة ترغّب الشباب في تعاطي المخدرات وارتكاب الزنا والموبقات.
وللأضرار الجسيمة الكامنة إزاء تعاطي الخمور فإننا نقف على علة تحريمها وبكل أنواعها، والغاية منه تحرير العقول وجعلها تدرك تلك المخاطر والمزالق التي تنتظر شارب الخمر، والأمة الواعية هي التي تدرك خطورة الأمر وبشاعته، فإن أفرادها هم بناة المستقبل وأمل الحياة المنشودة، فإنهم يسعون جهدهم ألا يكونوا فريسة سهلة تجتذبها المحرمات ويحركها قرناء السوء، أولئك الذين يتاجرون بأرواح الناس من أعداء الانسانية، لأن الثمن الذي ستدفعه الأمة المنقادة نحو المحرمات ثمن غال يكلفها شرفها وسمعتها وحياتها وبالتالي دينها وقيمها وأخلاقها.
علاوة على ذلك إن لشرب الخمر مفاسد عظيمة جداً أهمها أنه؛ سبب لضعف الإيمان في النفس وزواله لاحقاً، سبب لضعف العقل وضياع الحق، مفتاح لكل شرّ ومفسدة فردية واجتماعية، ويا لها من مصيبة عظمى أن يفقد الإنسان ايمانه وعقله؟! وهما الوسيلتان اللتان بهما يستطيع أن يحقق المرء ما يصبو إليه من منافع معنوية أو مادية، فالخير كل الخير بالإيمان والعقل، فبهما يستطيع الإنسان أن يحلّق في سماء الفضيلة والمعرفة، وبهما معا يستطيع أن يتغلّب على مصاعب ومشاكل الحياة ويخرج منها بكل أناة واطمئنان وراحة بال، فبالعلم والمعرفة تبنى الحضارات وبالفضيلة والإيمان تعزز المعنويات، أما إذا ما انساق الإنسان الغافل وراء سراب يخيّل إليه أنه منجّيه أو مبعده عن مشاكل آنية، فهو في الحقيقة يوقع نفسه وبافتقاده لأهم أركان الحياة في متاهات لا يمكن التخلص منها، بل يكتوي بلظاها عاجلا أو آجلا، وما أحلى الحياة بالعقل والتفكير وما أتعسها بالجنون والتخبط؟!.
والخلاصة إن شرب الخمر حرام في الإسلام وهو من الكبائر المنصوص عليها في القرآن الكريم حتى وصفه الله تعالى بالرجس وأنه من عمل الشيطان، وحريّ بالإنسان المتعقّل أن يبتعد عن الارجاس والقاذورات، وأن يكون عمله بمنأى من الشيطان الذي يحاول جاهدا أن يوقع الآخرين في شراكه ريثما يزلّهم عن طرق الحق والهدى والاستقامة، وإزاء هذه المطبات التي قد تعترض طريقنا نحو الخير والإصلاح، نحن مسؤولون عن أن نقي أنفسنا وأهلينا وأولادنا من المرور إزاءها فضلا عن الوقوع فيها، لأنها مجلبة للشر ومبعدة للخير، وهذا ما لا يتمناه كل ذي لب، وأصغى للكلام وهو رشيد.
أقرأ ايضاً
- الآثار الوضعية للذنوب... أثر الخمر والمخدرات في المجتمع وكيفية علاجها (29)
- الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الثاني
- الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الأول