- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
البعث المحظور وصناديق الاقتراع

بقلم: محمد علي الحيدري
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في تشرين الثاني 2025، يعود إلى سطح المشهد سؤالٌ يتكرر منذ عام 2003: هل انتهى حزب البعث تمامًا من المعادلة السياسية، أم أن حضوره ما زال قائمًا بأشكال غير مباشرة؟.
هذا السؤال لم يعد محصوراً في دوائر التحليل السياسي، بل بات جزءًا من الخطاب الانتخابي لبعض القوى، ومثار جدل في المزاج الشعبي. من حيث الإطار القانوني، لا لبس في الموقف الرسمي للدولة العراقية. فحزب البعث محظور بموجب قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية رقم 32 لسنة 2016، وهو قانون واضح في فقراته وصيغه التنفيذية.
وقد أثبتت هيئة المساءلة والعدالة، في المحطات الانتخابية الماضية، قدرتها على تطبيق القانون، واستبعاد مئات المرشحين الذين شملتهم الإجراءات القانونية، وفقًا للسياقات الدستورية.
لكن في واقع المشهد، تبرز منذ أشهر مؤشرات على محاولات التفاف ناعمة على الإقصاء التنظيمي، من خلال ترشيحات فردية أو محلية لا ترتبط بالحزب المنحل كمؤسسة، بل بأسماء لها امتدادات اجتماعية أو إدارية ذات صلة حقبية بالنظام السابق.
ويبدو أن بعض المرشحين يتقدّمون للانتخابات بواجهات جديدة، تضعهم أمام جمهور لا يخلو من الحنين إلى “الدولة المركزية” أو من التذمر من حاضر سياسي مأزوم.
غير أن هذه العودة المحتملة أو الرمزية تُستخدم أيضاً ـ وهنا يبرز البعد السياسي الأعمق ـ كأداة ضمن الخطاب التعبوي لبعض القوائم التقليدية التي تواجه تراجعًا في الشعبية.
إذ يرى مراقبون أن التلويح بـ”عودة البعثيين” أو بـ”الخطر القادم من الماضي” يُوظَّف أحيانًا لدفع الناخبين نحو التصويت لقوى بعينها باعتبارها “الضامن للشرعية” أو “السدّ أمام التسلل”.
هذا النوع من الخطاب، وإن كان له جذور في المخاوف الشعبية، يتجاهل في كثير من الأحيان أن بعض القوائم التقليدية نفسها تضم شخصيات انطبق عليها سابقًا منطق “المجرّب لا يُجرَّب” الذي طرحته المرجعية الدينية العليا في النجف عشية انتخابات 2018.
المفارقة أن بعض هذه القوائم تلجأ اليوم إلى توظيف فزّاعة الماضي لتأمين شرعيتها في الحاضر، في حين أنها لم تبرهن دائماً على القدرة على إنتاج نموذج سياسي جديد يُطمئن الجمهور، ويُرسّخ الثقة بمؤسسات الدولة. وهو ما يفتح الباب مجددًا أمام سؤال مشروع: هل المطلوب التصويت دفاعًا عن تجربة ناجحة، أم لمجرد الحيلولة دون تجربة مرفوضة؟.
في المقابل، أظهرت بيانات المساءلة والعدالة في الانتخابات الأخيرة استبعاد أكثر من 240 مرشحًا لأسباب تتعلق بالقانون 32 لسنة 2016، وهو ما يعكس استمرار المؤسسات في أداء دورها الرقابي، وإن كانت بعض التحديات ما تزال قائمة على مستوى تتبع الانتماءات غير المعلنة أو الواجهات السياسية المستحدثة.ما بين مخاوف مشروعة من عودة تُراث سياسي أقصيَ بالقانون، وتلويحات انتقائية تُوظّف الماضي لتثبيت الحاضر، يجد الناخب العراقي نفسه مرة أخرى أمام استحقاق لا يُقاس فقط بخطابات الشعارات، بل بميزان التجربة والإنجاز.
ولن تكون صناديق الاقتراع في هذه الدورة ساحة لمجرد المفاضلة بين وجوه أو عناوين، بل اختبارًا للوعي السياسي ومدى قدرة الناخب على التمييز بين الخطر الحقيقي والمستثمر السياسي لذلك الخطر.في نهاية المطاف، لا يُبنى الاستقرار بالمحظورات فقط، ولا يُحمى القانون بمجرد استبعادات انتقائية، بل بتكريس مشروع وطني يستند إلى العدالة، ويمنح المواطن بدائل نزيهة وفاعلة، بعيدًا عن التذكير الدائم بماضٍ لا يعود، وحاضرٍ لا يُصلَح بالخوف.
أقرأ ايضاً
- تساؤل غير صحيح.. لماذا يجب على السُنّة والبعثيين الاعتراف بالخطأ !
- مقارنة بين زعيمين تحت عباءة البعث العفلقية!!
- سموم "البعث" وبقايا شخوصه