
في ظل استمرار تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل، ولا سيما استخدام المجال الجوي العراقي الذي تسيطر عليه القوات الأمريكية، في عمليات استهداف إيران، تتصاعد داخل الأوساط السياسية والأمنية العراقية، الانتقادات للحكومة بشأن إهمال الاستراتيجية الدفاعية للبلاد، وفي مقدمتها ملف الدفاع الجوي، الذي يصفه البعض بأنه الحلقة الأضعف في بنية الأمن الوطني العراقي.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد الرميثي، في حوار متلفز، إن “العراق يعاني من اختراقات متكررة لأجوائه، أبرزها من الجانب التركي الذي تجاوزت خروقاته الـ 25 ألف مرة”.
وأضاف، أن “العراق بحاجة إلى مراجعة جدية لمنظومته الدفاعية، وتفعيل إجراءات الحماية الجوية”.
وتابع، أن “الدفاعات الجوية العراقية لا تستطيع إيقاع (حمامة) بالأجواء”، مبينا أن “30 تريليون دينار خصصت لشراء دفاعات جوية خلال 10 سنوات، حيث ان 11 تريليونا تم صرفها و19 تم إرجاعها للحكومة”.
وأكد، أن الـ “11 تريليونا التي تم صرفها على منظومات الدفاع الجوية جميعها فساد بفساد”، مبينا أننا “طالبنا باستضافة المسؤولين عن ذلك ولكن دون جدوى”.
وأوضح، أن “رئيس البرلمان محمود المشهداني، يقول: إن لديه 7 استجوابات جاهزة. فلماذا لم يتم طرحها؟”، معتقدا بـ”ضعف دور الرئاسة في كشف الأشخاص أو الكتل التي لا تريد تمرير الاستجوابات”.
واستطرد بالقول: “المشهداني ونائباه يتحملون ما وصل إليه البرلمان من ضعف، حيث أني سأقيم دعوى على المشهداني ونائبيه لعدم قيامهم بواجباتهم التشريعية، وتكبيل مجلس النواب ومنعه من القيام بدوره الصحيح”.
وتدخل الحرب الإسرائيلية الإيرانية يومها السابع، ولا ضوء يلوح في الأفق بنهايتها، وسط ترقب بدخول الولايات المتحدة طرفا ثالثا يغير الموازين، في ظل انسداد دبلوماسي تام بسبب “السقف العالي” للمطالب الأمريكية وانغلاق إيران أمامها.
وحذرت المرجعية الدينية العليا، الممثلة بالسيد علي السيستاني، في وقت سابق من اليوم الخميس، من مغبة استمرار الضربات الجوية التي تشنها إسرائيل على إيران، داعية الجهات الدولية وبلدان العالم إلى التدخل لإيقاف “هذه الحرب”، وإيجاد حل سلمي للملف النووي الإيراني.
وجدد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أمس الأول الثلاثاء، خلال اتصال هاتفي مع نظيره عباس عراقجي، تأكيد موقف بغداد الثابت من الهجوم الإسرائيلي، مشددا على استمرار جهود الحكومة العراقية عبر الوسائل الدبلوماسية لتفادي تصعيد الأوضاع، والعمل على وقف إطلاق النار.
جاء ذلك، بالتزامن مع تصاعد تحذيرات المختصين من وقوع كارثة كبرى في الشرق الأوسط، تضاهي كارثة تشيرنوبل، في حال استمرت الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للرقابة النووية والإشعاعية، الثلاثاء الماضي، تشكيل غرفة طوارئ تحسبا لأي تسرب إشعاعي.
وطالب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في 15 حزيران الجاري، خلال اتصال مع رئيس الوزراء، محمد السوداني، بمنع إسرائيل من استخدام مجاله الجوي لشن هجمات على إيران، محذرا من أن السماح باستغلال الأراضي العراقية يُهدد الأمن الإقليمي، فيما شدد على ضرورة حماية السيادة العراقية.
ودعا عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب صلاح التميمي، في 14 حزيران، الحكومة إلى إجراء مراجعة شاملة وفورية لعقود منظومات الدفاع الجوي، والعمل على إيجاد حلول عاجلة لتعزيز قدرة العراق على حماية مجاله الجوي، منتقدا في الوقت ذاته الإهمال الحكومي في التعاطي مع هذا الملف.
ويُخالف استخدام إسرائيل للأجواء العراقية القانون الدولي، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة (المادة 2، الفقرة 4) الذي يحظر انتهاك سيادة الدول أو استخدام أراضيها دون إذن.
وتُعتبر هذه الخروقات انتهاكا لاتفاقية شيكاغو 1944، التي تُنظم استخدام الأجواء الوطنية وتُلزم الدول بحماية سيادتها الجوية.
ويُشير خبراء قانونيون إلى أن العراق يحق له اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على إسرائيل، بموجب الفصل السابع من الميثاق الأممي.
يُشار إلى أن التوتر بين إسرائيل وإيران، تصاعد بشكل حاد منذ 13 حزيران الجاري، عندما شنت إسرائيل هجوما صاروخيا مباغتا استهدف مواقع داخل الأراضي الإيرانية، وردت طهران في الليلة ذاتها بسلسلة هجمات صاروخية كثيفة، ومستمرة طالت أهدافا عسكرية ومنشآت داخل إسرائيل.
وتزداد المخاوف في الداخل العراقي من تداعيات الحرب الخطيرة، وانعكاساتها المحتملة على العراق، خصوصا بعد انتهاك إسرائيل وإيران على حد سواء للأجواء العراقية، حيث أفادت مصادر بعبور مئات الطائرات والصواريخ الإسرائيلية والإيرانية المتبادلة فوق أراضيه.
ويرى محللون أن الضغوط المتزايدة على بغداد، سواء من حلفائها الإقليميين أو من القوى السياسية في الداخل، قد تدفعها نحو اتخاذ خطوات أكثر جدية على صعيد التسلح الجوي، لا سيما في ظل ما يعتبره البعض “إهمالا تراكميا” لهذا الملف منذ سقوط النظام السابق، لا سيما وأن العراق يمتلك القدرة المالية والتقنية على بناء منظومة دفاع جوي متعددة المصادر، سواء من روسيا أو الصين أو حتى فرنسا، ولكن القرار السياسي ما يزال متأرجحا بين ضغوط أمريكية واضحة، وتوجّهات وطنية تطالب بالتحرر من هذه الوصاية.
وتشير الإحصائيات الحكومية، إلى اعتماد العراق على الولايات المتّحدة في تسليح قوّاته بنسبة تفوق السبعين في المئة، ما يجعل الحدّ من استخدام القوات العراقية للسلاح الأمريكي، وفي أقصى الحالات التخلّي عنه، وفقا لما تدعو إليه بعض الشخصيات والقوى السياسية، عملية معقّدة وطويلة المدى وتتطلّب مسارا طويلا وبطيئا وعالي التلكفة المادية، وذلك لضمان انتقال سلس وغير مؤثّر على الوضع الأمني الحساس من الاعتماد على التقنيات والخبرات الأمريكية، إلى الاعتماد على تقنيات وخبرات بديلة صينية وروسية وغيرها.
ودفعت التوترات العسكرية المتفاقمة، في منطقة الشرق الأوسط والعالم، العراق إلى تأمين أجوائه من خلال التعاقد في أكتوبر تشرين الأول 2024، مع كوريا الجنوبية لشراء منظومة صواريخ أرض- جو متوسطة المدى نوع (M-SAM) بقيمة تقدر بـ2.56 مليار دولار، رغم تشكيك الخبراء بقدرة تلك المنظومة على إسقاط جميع الصواريخ والطائرات.
وبحسب موقع غلوبال فاير بور، فإن القوات الجوية العراقية تضم 371 طائرة حربية، بينها 26 مقاتلة حربية، و35 طائرة هجومية، و20 طائرة نقل، و113 طائرة تدريب، و17 طائرة مهام خاصة، إضافة إلى 197 مروحية، بينها 40 مروحية هجومية، علما أن الغالبية الساحقة من هذا الأسطول أمريكية الصنع.
ولا تمثل الهيمنة الأمريكية على تسليح القوات العراقية مجرد مصدر للربح المادي، بل تمثّل بقدر أكبر وسيلة للحفاظ على النفوذ في البلد، في ظل منافسة شرسة مع إيران وتحفّز واضح من قبل قوى أخرى، مثل تركيا وروسيا والصين لتركيز موطن قدم لها في البلد المفتوح بشدّة على الصراعات الخارجية، بحسب مراقبين.
أقرأ ايضاً
- خلال شهر.. أكثر من 35 ألف حالة زواج وطلاق في العراق
- الحرس الثوري الإيراني: أجواء "إسرائيل" مكشوفة بالكامل ولا مكان آمن فيها
- إطلاق موجة صواريخ جديدة من إيران