
الهدوء الذي يتحلى به عمار الصفار، المعروف بعمله كمونتير في مجموعة قنوات كربلاء الفضائية، ليس مجرد سمة شخصية، بل هو انعكاس لاحترافية عالية أكسبته احترام زملائه وإعجابهم ، فكلما أُسند إليه عمل فني، شعر الجميع بالطمأنينة، لما يلاحظوه من جودة فيما سيقدمه.
لكن ما لم يكن في الحسبان أن يمتد هذا الإبداع الفني إلى مجال مختلف تمامًا (الكتابة) إذ فاجأ الصفار الجميع بإصدار كتاب من ثلاثة أجزاء عن شخصية عظيمة في التاريخ الإسلامي، وهي شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وبينما بدت الفجوة كبيرة بين المونتاج والكتابة التأريخية أو الفكرية، أثبت الصفار أن الموهبة الحقيقية لا تُقيد بمجال واحد ، لقد تجلت مواهبه المتعددة، وربما يحمل في جعبته ما سيفاجئنا به لاحقًا أيضًا.
سألته في البداية ، ماهي المقارنة بين عملك كمونتير وكاتب؟
- عملي في مجال الإعلام كـ(مونتير) في مجموعة قنوات كربلاء الفضائية ليس قريباً من مجال هوايتي في القراءة والمطالعة، باعتباره يختص بالمجالات الفنية والبث التلفزيوني، ولكن هذا التباعد لم يكن له تأثير سلبي – ولله الحمد – على شغفي والتزامي بالقراءة والمطالعة والبحث.
بالتالي انت شغوف بالقراءة والمطالعة ؟
- في الحقيقة كانت القراءة من أول الهوايات التي تعلّقتُ بها في سن المراهقة، وذلك في مرحلة الدراسة المتوسطة عندما كنّتُ أتردد على مكتبة العتبة الحسينية المقدسة بشكل شبه يومي لإكمال واجباتي المدرسية، بسبب ما كانت توفره هذه المكتبة من أجواء مثالية تساعد على التركيز والمطالعة والدراسة لم تكن متوفرة حينها في بيتنا الذي كان لا يبعد كثيراً عن العتبة المطهّرة.
فبدأ عندي من ذلك الحين وفي ذلك المكان المقدس شغف القراءة والمطالعة في مختلف الكتب التي كانت توفرها المكتبة في مختلف المجالات (لا سيما كتب العقائد والفقه وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) والتاريخ والسياسة وغيرها من الكتب والموسوعات).
وأذكر أن من أوائل الكتب التي قرأتها كان كتاب (المراجعات) للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي، وهو كتاب جمع فيه السيد العاملي المراسلات الحواريّة التي جرت بينه وبين شيخ الأزهر آنذاك (سليم البشري) حول عدد من الموضوعات العقائدية وأهمها موضوع (الإمامة)، فكان لهذا الكتاب تأثير كبير على توجهاتي في القراءة والبحث والمطالعة في القضايا العقائدية التي تشكّل دعائم مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
واستمر من ذلك الحين تعلقي بالقراءة والمطالعة واصبح بمرور الوقت أكثر من مجرد هواية وشغف، فقد تحول إلى حاجة وضرورة من الصعب الاستغناء عنها أو إهمالها.
لذا أحاول دائماً أن تكون قراءاتي متنوعة وغير محصورة في جانب معيّن، أميل لقراءة كتب التاريخ والسيرة وكتب السياسة والاجتماع أيضاً، على أن كتب الدين (لا سيما الإلهيات والعقائد) وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) دائماً ما تستحوذ على اختياراتي للكتب التي أرغب في قرائتها.
ماهي عدد الساعات التي تقرأ فيها؟
- لا أستطيع أن أحدد عدد الساعات التي أقرأ فيها يومياً، لكنّي أخصص ما يبقى من ساعات يومي – بعد أن أنتهي من عملي والتزاماتي مع العائلة – للقراءة، والتي قد تصل لعدّة ساعات في اليوم.
هل لك ان تتحدث لنا عن مضمون كتابك الأول (علي بن أبي طالب في كتابات علماء الغرب).؟
- في العام ٢٠٢٤م وبعد فترة طويلة من مطالعتي لكتب التاريخ الإسلامي، لفت انتباهي سؤال طرحه أحد المؤرخين في كتابه عن السبب في قلة المستشرقين وعلماء الغرب الذين تناولوا في كتبهم ومؤلفاتهم سيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مقارنة ببقية الشخصيات الإسلامية البارزة والمؤثرة في تاريخ الإسلام.
- كان هذا التساؤل هو الشرارة التي أوقدت في نفسي قرار البدء بالبحث في كتابات علماء الغرب ومفكريهم ومؤرخيهم عن التاريخ الإسلامي وما دوّنوه ونقلوه عن وقائع القرن الهجري الأول بالتحديد وأحداث صدر الإسلام والدور الذي لعبه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (هذه الشخصية العظيمة النادر تكررها في التاريخ الإنساني) في ترسيخ دعائم الدين الإسلامي الحنيف والدفاع عنه في مواجهة الأخطار التي كانت محدقة به وبالمسلمين في تلك الفترة المهمة والحساسة.
وبعد رحلة بحث استمرت لشهور عديدة في بطون كتب علماء الغرب ومؤرخيهم منذ القرن الخامس عشر الميلادي حتى عصرنا الحالي، تمكنتُ من جمع أكثر من (٥٠) مصدر من مصادرهم (من بينها موسوعات وكتب وبحوث ومقالات وغيرها) تحدثت بشكل تفصيلي عن سيرة حياة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ نشأته مع نشأة الدين الإسلامي الحنيف ودفاعه عنه ونصرته لنبيه وأخيه الكريم رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله) حتى تسلّمه قيادة الدولة الإسلامية والأحداث المهمة التي رافقت هذه الفترة حتى استشهاده (صلوات الله عليه) في محراب صلاته في عاصمة حكمه الكوفة سنة ٤٠ للهجرة.
حيث تحدّث هؤلاء العلماء في كتبهم عن حكمة هذا الحكيم الإلهي وما أورثه للإنسانية من تراث عظيم يرسم للإنسان طريق الهداية للوصول إلى غايته.
وبعد توفيق الله وفضله جمعتُ هذا المصادر بعد ترجمتها وتحريرها وتدقيقها في سلسلة كتب من ثلاثة أجزاء تحت عنوان (علي بن أبي طالب في كتابات علماء الغرب).
ماهو الهدف من تاليف هذا السلسلة؟
- الهدف من إعداد هذه السلسلة هو مساعدة القارئ العربي للإطلاع على ما كتبه علماء الغرب عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذه الشخصية العظيمة التي كان لها الدور الأهم والأبرز بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تثبيت قواعد الدين الإسلامي الحنيف والحفاظ على تعاليمه الإلهية المقدسة من خطر التحريف والضياع بسبب الأخطار الكبيرة التي كانت تحدق به من الكثير من الأعداء الذين سعوا لهدم هذا الدين بمعاول الكفر والنفاق.
كما سعينا من خلالها لبيان حجم التأثر الذي حدث لهؤلاء العلماء والمفكرين الغرب بعبقرية هذا الإمام الحكيم وحِكَمه ومواعظه ونظرته العميقة للوجود والإنسان والحياة وأهدافها والغاية منها والطريقة المثلى لعيشها وسبيل الوصول إلى الغاية العظمى التي أوجدها الله سبحانه وتعالى من أجلها.
طيب نتحدث عن كتابك الاخر الذي لايقل أهمية عن كتابك الأول او السلسلة كما سميتها؟
- بعد مرور عام تقريباً، وبعد استمراري في البحث والإطلاع على ما كتبه علماءنا الأعلام عن سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، ودورهم العظيم في إرشاد الناس لصراط الله المستقيم، وعلومهم الإلهيّة التي تنير العقل البشري بنور المعرفة الحقيقية، والانغماس أكثر في هذا المعين الذي لا ينضب، وجدتُ في بعض الكتب التي تتحدث عن العلماء المسلمين – وبالتحديد عن عاِلم الكيمياء المسلم جابر بن حيّان – أن هناك من شكّك بأن يكون جابر قد تتلمذ في مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)، مدّعياً أن الإمام الصادق لم يكن له إلمام بعلم الكيمياء في ذلك الزمان فكيف استطاع تعليم تلميذه جابر هذا العلم المعقد، ليصبح بعدها جابر المعلم الأول لعلم الكيمياء في تاريخ الشرق والغرب.
عندها قرّرتُ – بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى - أن أبدأ بالمهمة الثانية، وهي إعداد كتاب يتحدث عن مدرسة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) والعلماء الذين تخرّجوا منها على يد أستاذهم الصادق بمختلف المجالات العلمية (منها علوم الدين واللغة والطب والرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها)، والتي تُعتبر دليل ناصع على أن علوم أئّمة أهل البيت (عليهم السلام) هي علوم إلهية المصدر توارثوها عن جدهم النبي الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) مروراً بباب مدينة علم النبي، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فقد خرّجت مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مجموعة كبيرة من العلماء بمختلف المجالات العلمية، المشهود لهم بالريادة في تأسيس العلوم والفنون المختلفة، والنبوغ والتفوّق على علماء عصرهم؛ بل أن الثابت في كتب المؤرخين المعتبرة، أن كثيراً من أئمّة المذاهب والفرق وعلماءهم، كانوا يتتلمذون على يد علماء مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)، ويأخذون منهم أحكام الدين، والقضاء، وأسرار العلوم المختلفة.
وبعد شهور من البحث المتواصل في كتب المؤرخين من مختلف الملل والمذاهب والبلدان، تمكنت بعد توفيق الباري (عزّ وجلّ) من إكمال كتابي الثاني الذي يتحدث عن سيرة أبرز علماء مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) بمختلف تخصصاتهم العلمية، والذي حمل عنوان (جعفر بن محمد الصادق أستاذ العلماء).
هل شاركت بمعارض وهل اهديت نسخ من كتبك الى مكتبات تابعة لمؤسسات معينة؟
- الحمدلله بعد طباعة الكتابين تمت المشاركة بهما في أكثر من معرض دولي للكتاب، كما تم إهداء نسخ منهما لبعض المكتبات المهمة، منها مكتبة العتبة العلوية المطهرة ومكتبة العتبة الحسينية المقدسة وكذلك مكتبة العتبة العباسية المقدسة، كما تم إهداء نسخ أخرى لمكتبة مرقد الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) والمكتبة المركزية في مدينة الناصرية وغيرها من المكتبات الكبيرة في العراق.
بعد هذه المغامرة الرائعة في كتابة هذين الكتابين كيف اصبح ايمانك بالائمة الاطهار لاسيما امير المؤمنين والصادق عليه السلام وهل تعتقد ان مرحلة الايمان الهمتك لكتابة هذين الكتابين؟
- إن القراءة والبحث في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) هي مصدر إلهام لأي إنسانٍ باحث عن الحقيقة المطلقة والعلم الإلهي الناصع الخالي من الشوائب الدنيوية.
لذا أدعو كل إنسان باحث عن الكمال المعرفي أن يطّلع على سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وأن يغوص في بحر علومهم الإلهية الحقة، ويتبع إرشاداتهم ووصاياهم التي هي العلامات الدالة على الصراط المستقيم الذي ندعوا الله إن يهدينا إليه في كل صلاة.
ماهي اهم النصائح للذين يودون الخوض في كتابة كتاب؟
- أدعو من يروم الكتابة عن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) أو في أي مجال آخر أن يكثر من القراءة والبحث والمطالعة حتى يتكوّن لديه رصيد معرفي كافٍ لتكوين أفكاره الخاصة عن المجالات التي يهتم بالبحث فيها، ثم يبدأ بكتابة ما يجول في خاطره من أفكار أو معلومات مهما كانت بسيطة أو قليلة ومحاولة ترتيبها على الورق لتكون الخطوة الأولى في طريق كتابة كتابٍ أو بحثٍ أو مقالٍ ناجح ومؤثر في المجال الذي يرى نفسه مبدعاً فيه.
هل سيتوقف انتاجك الفكري عند هذا الحد أم أن هناك مشاريع وكتب أخرى؟
- النية والطموح موجودان إن شاء الله لأعمال أخرى في المستقبل (بين كتاب آخر عن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) أو مشروع فكري وأخلاقي يساعد الشباب المسلم على التعرف أكثر على سيرة حياة ووصايا وإرشادات أهل البيت (عليهم السلام) لعيش حياة كريمة تصل بالإنسان إلى شاطئ الأمان بالقرب من خالقهم (جلَّ وعلا)) ، نسأل الله أن يوفقنا لأعمالٍ له فيها رضً وللناس فيها منفعة.
إن تجربة عمار الصفار ليست مجرد انتقال من حرفة إلى أخرى، بل هي رحلة في اكتشاف الذات وتفجير الطاقات الكامنة ، فقد استطاع أن يبرهن أن الإبداع لا يعرف قالبًا واحدًا، بل يفيض حيثما وُجد الإخلاص والشغف ، وبينما يواصل عمله الفني بإتقان، يخطّ بقلمه مسارات فكرية جديدة، ليُثبت أن الموهبة الحقيقية لا تتوقف عند حد، بل تمتد لتُلهم من حولها وتفتح أبوابًا جديدة للتأمل والتأثير.
علاء حيدر السلامي - كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- كربلاء:جامعة الزهراء للبنات تعقد اتفاقيات علمية مع خمس جامعات عالمية
- لماذا يثق العراقيون والعالم بالسيد السيستاني ...السيد الاشكوري يجيب (فيديو)
- اطباء اجانب في كربلاء: اكتشاف "حالة عراقية" باعتلال العضلات والاعصاب غير موجودة في العالم