
أثار تقرير صندوق النقد الدولي الأخير بشأن انكماش الاقتصاد العراقي مخاوف أوساط اقتصادية، خصوصا مع تقلب أسعار النفط، وفيما وجد خبراء أن التقرير “واقعي”، رد مستشار حكومي بأن هذه التقارير “توقعات قصيرة الأجل”، لافتا إلى أن العراق متحصن بالعملة الأجنبية بما يتعدى التوقعات الانكماشية، في وقت تحدث خبير نفطي عن خطورة “الاعتمادية النفطية”، وسط توقعاته باستمرار تدني أسعار البترول وتقلب سوقه هذا العام.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في تقريره الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي، انكماش الاقتصاد العراقي بواقع 1.5 بالمئة هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4 بالمئة، على خلفية تراجع أسعار النفط كما توقع تباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.
وتعقيبا على هذا التقرير، يقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، إن “توقعات صندوق النقد الدولي بشأن العراق مبالغ بها، حيث تتحدث عنه بشكل منفرد دون غيره على الرغم من كونه ثالث اقتصاد في تقدم مركبات الناتج المحلي الإجمالي للبلاد العربية في منطقة غرب آسيا مقارنة بغيره من البلدان العربية”.
ويضيف صالح، أن “العراق يمتلك احتياطيات أجنبية عالية التحصين حتى الوقت الحاضر، ما يعني أن ثمة حاجة إلى أن نتبين كيف بنى صندوق النقد الدولي توقعاته بالانكماش المفرط على اقتصاد بلادنا من دون غيره، والعراق مازال يتحصن باحتياطات من العملة الأجنبية تتعدى التوقعات الانكماشية في الاقتصاد العالمي، بسبب حرب الرسوم أو التعريفات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين”.
ويتابع أن “البيت الأبيض في إعلان لصحيفة وول ستريت جورنال قد سرب اليوم إمكانية إعادة النظر السريع بموضوع التعريفات الكمركية ومخاوف الولايات المتحدة نفسها من مجريات انكماش الاقتصادي العالمي على الصين وغيرها الذي لا يصب في مصلحة أحد من اقتصادات العالم بما فيها الولايات المتحدة، متلمسا ما ستحدثه من ارتباك في الاقتصاد العالمي”.
وبناء على ما تقدم، يؤكد صالح، أن “ما قدمه صندوق النقد الدولي هي مجرد توقعات مبكرة قصيرة الأجل خاضعة للتغيير والتعديل، وبالرغم من ذلك، فإن على العراق التحوط الدقيق لكل صغيرة وكبيرة بما يخدم مصلحة حصانة الإنفاق العام في برنامج التنمية المستدامة المتعلقة بمشاريع الخدمات العامة وكذلك أولويات الإنفاق العام المتعلقة باستمرار دعم المزارعين وتأمين الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية كأولوية أولى”.
واللافت في توقعات الصندوق بتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر نيسان الجاري، هو التراجع الكبير عن تقديراته في تشرين الأول 2024 والتي كانت تقدر نمو اقتصاد العراق بنسبة 4.1 بالمئة خلال 2025.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، حيث تشكل عائدات النفط أكثر من 90 بالمئة من إيرادات الدولة، ما يجعله عرضة للتأثر بالتقلبات في أسعار النفط العالمية.
وشهدت أسعار النفط تراجعا حادا هذا الشهر، لامست خلاله أدنى مستوياتها في أربع سنوات، وسط مخاوف المستثمرين من أن يؤدي التصعيد المتبادل في الرسوم الجمركية بين أميركا وشركائها التجاريين إلى تراجع الطلب على الخام.
لكن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، يتحدث من جهته، عن “واقعية” في تقرير صندوق النقد الذي توقع انكماش الاقتصاد العراقي، إذ يرى أن “الموازنة تحملت أعباء كبيرة من خلال زيادة أعداد الموظفين ورواتب الرعاية الاجتماعية في الفترة الأخيرة إضافة إلى استيراد الغاز والكهرباء، وهذه الأعباء كلفها المالية أكثر بكثير من عائدات النفط المتوقعة خلال الفترة المقبلة”.
ويضيف المرسومي، أن “معدل النمو الاقتصادي انخفض بالتوازي مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط”، لافتا إلى أن “أسعار النفط تضع العراق في خطر الانكماش دائما، فبمجرد انخفاضها سوف يعجز البلد حتى عن دفع رواتب الموظفين، خاصة أنه لا يملك مصدرا آخر غير النفط، كما لا يملك صندوقا سياديا يمكن اللجوء إليه عند انهيار أو انخفاض أسعار النفط”.
ويقدّر صندوق النقد الدولي أن العراق يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولارا للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى 65 دولاراً.
ويتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط سعر النفط هذا العام 66.9 دولار للبرميل، بانخفاض نسبته 15.5 بالمئة عن العام الماضي. على أن ينخفض مجددا إلى 62.4 دولار للبرميل في 2026.
إلى ذلك، يعتقد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، أن “انخفاض أسعار النفط في الشهرين الماضيين سيكون له أثر واضح على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط، وربما يكون العراق البلد الأكثر تأثرا بانخفاض الأسعار النفط لسببين”.
ويضيف شيرواني، أن “السبب الأول يكمن في أن العراق ينتج ويصدر كميات كبيرة من النفط بمعدل 3.3 ملايين برميل يوميا، والسبب الثاني أن نسبة اعتماد اقتصاده على هذا الإنتاج هي 90 بالمئة، فلو كانت هذه الاعتمادية أقل سيكون الخطر في الظروف نفسها أقل وطأة على الاقتصاد العراقي”.
وعن أسعار النفط، يتوقع أن “تبقى متدنية مقارنة بعام 2024 حيث كانت تتجاوز 70 دولارا للبرميل، وستبقى دون هذا السعر، وبالنسبة للعراق فإن أي انخفاض عن السعر المثبت في الموازنة وهو 70 دولارا للبرميل يعني تراجع الإيرادات وارتفاع العجز المخطط له في الموازنة، بينما يكون أي صعود إيجابيا للعراق”.
وبالرغم من هذا الانخفاض، فإن شيرواني، يجد أنه “لن يؤثر في تغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين والمستحقات الأخرى، لأنها تستحوذ على 70 تريليون دينار من موازنة قيمتها 200 تريليونا، فأي تراجع في الإيرادات سيؤثر على الموازنة الاستثمارية ولا يمس الرواتب”.
لكن وفقا للخبير، فإن “هذه السنة سيكون الوضع أصعب اقتصاديا بالنسبة للعام الماضي، والسنة الحالية ستكون حاسمة وحرجة من حيث تقلبات أسعار النفط في ظل التحديات الدولية والإقليمية لذا على الحكومة العراقية أن تضع خططها لمعالجة الاقتصاد المعتمد على النفط عن طريق تقليل هذه الاعتمادية على النفط وتنشيط القطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة والسياحة وتنظيم الضرائب والكمارك، وكثير من دول الخليج بدأت تقلل الاعتماد على النفط”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- لوبي عراقي بنفس كويتي.. جدل سياسي في العراق حول "خور عبد الله"
- في العراق.. عمال النظافة يعتمدون على دعم الناس للاستمرار
- عواصف العراق الترابية.. أضرار تتطلب حلولاً طبية وبيئية