
يجري رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اليوم الخميس زيارة رسمية إلى تركيا لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين ومعالجة المشاكل المتعلقة بالأمن والمياه والنقل وملفات أخرى.
ووصل وفد عراقي رسمي إلى العاصمة التركية أنقرة الاثنين الماضي برئاسة رئيس دائرة الدول المجاورة في وزارة الخارجة العراقية، محمد رضا الحسيني، وذلك في إطار التحضيرات الجارية للزيارة المرتقبة لرئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني إلى انقرة خلال الاسبوع الجاري.
وذكرت السفارة العراقية في أنقرة: أن "الوفد يضم ممثّلين عن عددٍ من الوزارات والمؤسسات العراقيَّة ذات الصلة، ويهدف الى استكمال المناقشات الفنية حول مذكرات التفاهم المزمع توقيعها مع الجانب التركي، والتي تشمل مجالات حيوية متعددة، منها الامن، والنقل، والتخطيط، والتعليم، والاتصالات، والصناعة".
إلى ذلك، قالت لجنة العلاقات الخارجية النيابية إن "زيارة السوداني المرتقبة إلى أنقرة هذا الأسبوع مهمة جداً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وخاصة في الساحةِ السورية واستمرارِ العدوان الإسرائيلي الذي يشكل خطرا على جميع دول المنطقة".
وأضافت اللجنة: أن "السوداني سيبحث أيضاً في أنقرة الملف الأمني الداخلي المتعلق بتواجد حزب العمالِ الكردستاني وكل ما يهدد الأمن القومي العراقي، فضلا عن ملف مشروع طريقِ التنمية الذي تعد تركيا جزءًا مهما منه، كما ستناقش الزيارة ملف المياه وسعي العراقِ للحصولِ على كامل حصته".
وأكد عضو مجلس النواب محما خليل أن الزيارة تأتي ضمن الحراك العراقي لإقامة علاقات مع دول الجوار ودول العالم كافة لتحقيق المصالح وتجاوز المشاكل والملفات العالقة.
وقال خليل في تصريح لشبكة "الساعة": إن "العراق يعد بوابة تركيا نحو العرب وتركيا تعد بوابة العراق نحو أوروبا وهذا العامل يعطي أهمية كبيرة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين".
وأضاف أن "العراق يسعى لبناء علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية مع دول الجوار وباقي دول العالم تعتمد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الآخرين".
وكشف خليل: أن "أبرز الملفات المتوقع طرحها للنقاش في أنقرة خلال زيارة السوداني هي التعاون الاقتصادي والتجاري وطريق التنمية والتعاون الأمني مشكلة المياه"، منوها إلى أن "العراق سيطرح خلال اللقاء مشكلة الخروقات التركية المستمرة للأجواء العراقية لتجاوزها ولضمان علاقات إيجابية واسعة بين البلدين".
وفي وقت سابق أعلنت السفارة العراقية في أنقرة، عن أبرز ملفات مباحثات رئيس الوزراء خلال زيارته إلى تركيا.
وقال السفير العراقي في أنقرة ماجد اللجماوي، إن "الزيارة المرتقبة التي سيجريها رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا ستتضمن بحث عدد من الملفات، منها طريق التنمية، والطاقة، والتجارة".
فيما قال وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو إن "السوداني سيزور تركيا قريباً، كما يخطط الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لزيارة العراق في النصف الأول من العام الحالي لبحث تنفيذ عدد من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في 22 أبريل (نيسان) العام الماضي".
وأضاف أورال أوغلو، في تصريحات لصحيفة "حرييت" القريبة من الحكومة، أن "بلاده قطعت مرحلة مهمة على صعيد مشروعين منفصلين مهمين، الأول يمر من العراق والثاني يقطع الحدود مع سوريا وصولاً إلى العاصمة دمشق".
ولفت إلى أن "المشروع الأول، وهو طريق التنمية، كان قد تم الإعلان عنه لأول مرة خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا في مارس (آذار) 2023، ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثم أوروبا، فضلاً عن إعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد".
وذكر أورال أوغلو أن "المشروع الثاني هو إنشاء شبكة سكك حديدية من تركيا إلى دمشق مروراً بمحافظة حلب".
ويرى الباحث في الشأن السياسي أحمد الملاح أن زيارة السوداني لتركيا تحمل ملفات حساسة وما سيطرح على الطاولة ليس تفصيلًا بسيطًا، بل قضايا سيادية واقتصادية وأمنية من العيار الثقيل.
وقال الملاح في حديث لشبكة "الساعة": إن "زيارة السوداني لتركيا تحمل الكثير من الملفات الحساسة أولها ملف المياه، الذي بات يشكل تهديدًا وجوديًا للزراعة والأمن الغذائي في العراق، يفرض نفسه بقوة، في ظل انخفاض مناسيب دجلة والفرات وتغيّر السلوك التركي في إدارة السدود".
وبين أن "العراق لم يعد قادرًا على التعامل مع هذا الملف بسياسة المجاملات، بل يحتاج إلى اتفاقات واضحة تضمن حصة عادلة ودائمة من المياه".
وأضاف الملاح: أن "أنقرة تحمل مخاوف أمنية مزمنة من نشاط حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية وهو الملف الثاني، وتستثمر هذه المخاوف لتبرير وجود عسكري متزايد شمال العراق".
ولفت إلى أن "هذا الوجود، الذي طالما عدّه العراقيون خرقًا للسيادة، أصبح اليوم بندًا تفاوضيًا حرجًا، يتطلب معادلة توازن تحفظ للعراق هيبته، ولتركيا أمنها".
وأشار إلى أن "الملف الثالث هو مشروع طريق التنمية، والذي يعد الحلم الكبير الذي يحاول العراق أن يترجمه إلى واقع عبر شراكة تركية فاعلة"، مؤكدا أن "المشروع لا يربط جنوب العراق بشمال تركيا فقط، بل يرسم خارطة جديدة للتكامل الاقتصادي الإقليمي ويضع العراق في قلب طرق التجارة العالمية".
وأوضح أن "هذه الزيارة ليست روتينية، بل اختبار لقدرة العراق على إدارة التوازنات الدقيقة، وصياغة شراكات لا تقوم على التبعية، بل على الندية والمصالح المتبادلة"، مبيناً أن "نجاحها سيكون مؤشرًا على تحول العراق من ساحة تصفية حسابات إلى محور استقرار ونفوذ في الإقليم".
كما نوه الملاح إلى أن "الملف الرابع الذي سيطرح خلال الزيارة وهو الوضع السوري الذي يقتسم العراق مع تركيا فيه عدد كبير من الملفات على رأسها الأمن والاقتصاد والمياه ويسعى العراق لانتزاع عدد من الضمانات التركية حول ملفات التفاهم مع دمشق التي ناقشها رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري خلال زيارته الأخيرة لدمشق".
من جانبه يؤكد الصحفي والمحلل السياسي التركي طه عودة أن زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى أنقرة خطوة مهمة في تطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين في ضوء التحديات الصعبة التي تشهدها المنطقة.
وقال عودة في حديث لشبكة "الساعة": إن "الزيارة تكتسب أهمية كبيرة لاسيما أنها لا تقتصر على تنسيق الجهود السياسية والأمنية كما في الزيارات المتبادلة السابقة، ولكنها تتناول تعزيز التعاون الاقتصادي وتعزيز المصالح المشتركة والأمن بين البلدين".
وبين أن "أنقرة اليوم تسعى لاتباع سياسة أكثر واقعية في قضايا المنطقة وخاصة مع العراق وتحديدا في ملف حزب العمال الكردستاني الذي شكل نقطة صداع للجانبين خلال السنوات السابقة"، مشيرا إلى أن "الخطوات والمبادرات التركية الأخيرة للتعامل مع ملف حزب العمال والقضية الكردية سينعكس إيجابا على العلاقات العراقية التركية ويعود بالنفع على الجانبين".
واستبعد عودة: "الطرح العميق لملفات حساسة كقضية تواجد القوات التركية في العراق وقضية حزب العمال، على اعتبار أن تركيا تسعى لحل وتذويب الملفات العالقة والشائكة في هذا المجال وفق ترسيخ تفاهم يخدم مصالح البلدين وخاصة المتعلقة بالأمن والحدود".
وخلال الأشهر والسنوات الماضية، ضغطت قوى سياسية عراقية قريبة من إيران على حكومة السوداني والحكومات السابقة، لإنهاء وجود القوات التركية في العراق، وفيما دعمت هذه الأطراف حزب العمال الكردستاني بشكل مباشر، حاولت عرقلة مساعي بغداد لدفع العلاقات العراقية التركية إلى الأمام.
واتفقت أنقرة وبغداد على التنسيق ضد حزب العمال الكردستاني عبر مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، وقعها وزير الدفاع التركي يشار غولر ونظيره العراقي ثابت العباسي، في ختام الاجتماع الرابع لآلية التعاون الأمني رفيع المستوى بين البلدين، في أنقرة في أغسطس 2024، عدت جزءاً من استكمال التفاهمات التركية - العراقية بشأن تثبيت الأمن على الحدود بين البلدين، والتعاون في تحييد حزب العمال الكردستاني ومقاتليه.
وزار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، العراق أواخر يناير الماضي، ضمن سلسلة من الزيارات المتبادلة على المستوى الوزاري، وتناولت مباحثاته في بغداد سبل تعزيز العلاقات التجارية مع العراق، الذي يعد من أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين لتركيا بحجم تبادل يبلغ 20 مليار دولار، وإزالة الحواجز المصطنعة أمام التجارة الثنائية، كما أكد استمرار دعم تركيا لمشروع طريق التنمية الاستراتيجي، والعمل على تسريعه.
أقرأ ايضاً
- السوداني بين نيران الصراع.. رشاوى "خور عبد الله" و"ضغوط الشرع"
- في العراق.. عمال النظافة يعتمدون على دعم الناس للاستمرار
- أسبوع من الرفض.. هل اجتهد السوداني في دعوة الجولاني؟