- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية

بقلم:علي سالم عزيز
تُعدّ جرائم الأحداث مسألةً حساسةً تتطلب معالجةً قانونيةً خاصة، نظرًا لخصائصهم النفسية والسلوكية الفريدة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بهم التي قد تُسهم في انحرافهم. وانطلاقًا من مبدأ أن الأحداث ليسوا مُجرمين بطبيعتهم، بل ضحايا بيئة غير مستقرة، ركّزت التشريعات الحديثة، بما فيها التشريعات العراقية، على التدابير الإصلاحية أكثر من العقوبات التقليدية.
في العراق، يُنظّم قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 الأحكام المتعلقة بالأحداث الجانحين. ويُعرّف الحدث بأنه كل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وقت ارتكاب الجريمة. ويُقسّم القانون الأحداث إلى فئات عمرية (صغير، ومُميّز، وغير مُميّز)، تُحدّد بناءً عليها درجة المسؤولية والعقوبة القانونية.
حرص المُشرّعون العراقيون على تخصيص المعاملة العقابية للأحداث، مُلغين تطبيق العقوبات الجنائية القاسية، ومُستبدلينها بتدابير إصلاحية وتربوية تهدف إلى إعادة دمجهم في المجتمع. تشمل هذه التدابير إيداع الحدث في مراكز إعادة التأهيل، والتدريب المهني الإلزامي، أو تسليمه إلى أسرته مع التعهد برعايته، بالإضافة إلى تدابير أخرى تراعي مصلحة الحدث الفضلى ومستقبله.
إلا أن القانون لا يلغي مفهوم المساءلة كليًا، بل يُقر بوجود مسؤولية جنائية للأحداث في حدود سنهم ومستوى إدراكهم. يجوز إخضاع الأحداث الذين تجاوزوا سن الخامسة عشرة لعقوبات مقيدة لحريتهم إذا ارتكبوا جرائم خطيرة، ولكن ضمن نظام خاص يُراعي سنهم وحالتهم النفسية والاجتماعية.
من جهة أخرى، يُعد وجود محكمة أحداث متخصصة من أبرز جوانب الحماية القانونية. تُعنى هذه المحكمة بقضايا الأحداث خارج نطاق اختصاص المحاكم الجنائية العامة، مما يضمن معاملة الأحداث معاملة إنسانية وتربوية.
وفي الختام، فإن معالجة الجرائم التي يرتكبها الأحداث يجب أن تحقق التوازن بين الردع والإصلاح، مع تعزيز الدور الوقائي للأسرة والمدرسة والمجتمع، وتطوير برامج إعادة التأهيل والرعاية اللاحقة للحد من معدلات العودة إلى الجريمة وبناء جيل سليم يساهم في تنمية المجتمع بدلاً من تهديد أمنه.
أقرأ ايضاً
- التزييف العميق.. لعبة الذكاء الاصطناعي التي تهدد الحقيقة والعدالة
- العقوبات البديلة في اطار الجرائم الاقتصادية
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي