- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية.. تهديد أم فرصة للعراق؟

بقلم: د. ريم فيصل جرجيس
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، باتت السياسات الجمركية التي تتبناها القوى الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل ملامح التجارة الدولية، وتمثل الرسوم الجمركية الأمريكية في هذا المجال أداة استراتيجية مهمة لها تبعات مباشرة وغير مباشرة على الدول النامية، ومنها العراق الذي يعتمد في جزء كبير من اقتصاده على الاقتصاد الريعي.
ففي أيلول 2023 أعلنت الحكومة العراقية عن تعديلات في الرسوم الجمركية، حيث تم تحديد رسوم ثابتة للحاويات حجم 20 قدما 2 مليون دينار عراقي، و3 ملايين دينار للحاوية حجم 40 قدما، وبذلك انخفضت صادرات الولايات المتحدة الى العراق من2،25 مليار دولار في العام 2023 الى 1،66 مليار دولار في العام 2024.
وفي الثاني من نيسان من العام 2025 أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة١٠% على جميع السلع الواردة إلى الولايات المتحدة، استخدمت للإشارة للإجراءات التجارية ما وصف بـــ (يوم التحرير الأمريكي)، حيث أعدها مؤيدوها خطوة نحو استعادة السيادة الاقتصادية من خلال تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الصناعات المحلية، فضلاً عن تصحيح الميزان التجاري، اي التقليل من العجز التجاري مع الدول الأخرى، وكذلك مواجهة الممارسات التجارية غير العادلة التي تعد بمثابة الرد على سياسات الدول التي تضر بالاقتصاد الأمريكي.
إن التداعيات العالمية لهذه السياسة قد يكون لها تأثير أكثر عمقاً، إذ تؤثر سلباً على التجارة الدولية ومعدلات النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما ينعكس بشكل غير مباشر على الطلب العالمي على النفط، والعراق من بين الدول التي فرضت عليه ادارة الرئيس الامريكي (ترامب) رسوما جمركية جديدة بنسبة 39%على وارداتها، وتعد من اعلى النسب المفروضة نسبة الى الدول العربية، الى جانب سوريا بنسبة 41% وليبيا بنسبة 31%، في حين فرض العراق على السلع الامريكية المستوردة رسوما جمركية بنسبة 78%، اي ضعف ما فرضه (ترامب) من رسوم على العراق.
بالنسبة الى العراق فإن حجم التبادل التجاري بينه وبين الولايات المتحدة، هو أقل من حجم التبادل التجاري للعراق مع الإمارات العربية المتحدة وتركيا وإيران والصين والهند والبرازيل (كل على انفراد)، إذ تتمثل استيرادات العراق للسلع من الولايات المتحدة في السيارات والأدوية والمستلزمات الطبية والآلات والمعدات والالكترونيات وغير ذلك.
وعليه تعد الرسوم الجمركية التي فرضها العراق هي التي جعلت من اسعار السلع المستوردة من الولايات المتحدة مرتفعة، وليس الرسوم التي فرضها (ترامب)، كما ان هذه الرسوم التي فرضت من الجانب العراقي ليست لها تأثير في السوق الأمريكية سوى النفط (وبشكل نسبي).
فقد شهدت الأسواق النفطية رد فعل سريع في انخفاض الأسعار فور إعلان الرسوم، مع توقعات باستمرار هذا التأثير السلبي على اسعار النفط الخام في المدى القريب، ما من شأنه أن يلحق الضرر بجميع الدول المصدرة للنفط بما فيها العراق.
فضلا عن ذلك ان التوقعات المتحفظة بصدد الطلب المستقبلي على النفط، جاء تزامنا مع قرار (تحالف أوبك+) بزيادة إنتاج النفط الخام لأعضائه بمعدل كبير جدا يبلغ 411 الف برميل يومياً اعتباراً من شهر ايار المقبل للعام 2025، والذي سيدفع أسعار النفط إلى مزيد من الانخفاض نتيجة التخمة المتوقعة في العرض.
فضلًا عن ذلك أن العراق يواجه تحديات مالية إضافية نتيجة ارتباط جزء كبير من احتياطاته الأجنبية في البنوك الأمريكية وسندات الخزانة، ما يعرضه لتقلبات في السياسة النقدية الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق برفع اسعار الفائدة أو تراجع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى مما ينعكس على القيمة الحقيقية لتلك الاحتياطيات.
أن الوضع الاقتصادي الدولي يمكن أن يشكل تهديد على الاقتصاد العراقي على المدى القصير بسبب أن الاقتصاد العراقي هش ويعتمد على الاستقرار النفطي من ناحية، ويمكن أن يعتبر فرصة على المدى البعيد، إذا استغلت الحكومة العراقية الوضع بتنويع مصادر الدخل من (زراعة وصناعة وسياحة دينية …الخ)، وهي بذلك قد تبدأ عملية تقليل الاعتماد على النفط من جانب آخر.
لذلك يمكن القول ان على الحكومة العراقية الاسراع في جهود تنويع مصادر الدخل القومي من خلال تعزيز الايرادات غير النفطية، وتوسيع الاستثمارات في قطاعات بديلة مثل الصناعة والزراعة والخدمات، لضمان استقرار اقتصادي اكثر توازنا وقدرة على الصمود في وجه التقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية.
أقرأ ايضاً
- الشهادة الثالثة.. مسألة جدلية أم حقيقة مغيبة؟
- هل الاستقالة حل؟ أم هروب من المسؤولية؟
- وقفة على قرار منع استيراد مواد ورفع التعرفة الجمركية لأخرى