- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لا جديد في كردستان.. كل يوم تشرق الشمس!

بقلم: سامان نوح
لقاءات ومؤتمرات واستعراضات، وبيانات نجاح وانتصار، وخطابات مزركشة، وذات الوعود التي تتكرر منذ أكثر من 15 عاماً، تتردد في سيل من المنصات الاعلامية الحزبية التي تتكاثر وتتناسخ مدفوعة بالمال العام.
خطابات لم تغيرها الانتكاسات والتحديات والتراجع في الأدوار السياسية والاقتصادية، والهبوط من مركز القرار وموضع صناع الملوك والشريك واللاعب الحاسم في الميدان، الى المتفرج على المشهد في أغلب الأحيان.
لا جديد في كردستان
اجتماعات وبيانات، لذات الأحزاب، بذات العبارات القومية المنفوخة، وذات الشعارات.. ذات السياق، والمسار، والديباجات والفصول والاستهلالات والكلمات والمصطلحات.
كل شيء كأنه هو ذاته المعلن قبل 20 عاما:-
عبارات مستنسخة، لا تكاد تتغير: “عقدنا اجتماعات ولقاءات مثمرة، سادت فيها لغة الحوار وروح الأخوة والمصالح الوطنية، على طريق حل الأزمات خدمة لشعب الإقليم”.
ووعود، وعود، وعود
وبشارات لا تنقطع، بحكومة قريبة التشكل، موحدة قوية راسخة البنى، خدمية وطنية تعددية شاملة.. حكومة بناء ورخاء وعدالة ومساواة وتنمية شاملة.
ووعود باتفاقات تاريخية جديدة، مفصلية منهجية اصلاحية دقيقة وشاملة، تنهي الأزمات العالقة، وتذهب الأخطاء السابقة، وتعدل السياسات اللاحقة، وتوحد الإقليم.
وعود للداخل المتعب المريض المستكين.. وحتى وعود للخارج، للراعي الدولي الناصح بالتوحد.
لكن لا جديد على الأرض غير صراع المصالح الحزبية والفئوية، في كل زاوية، وعلى كل منبر، وفي كل هيكل وقاعدة وتفصيلة وتشكيلة.
صراع، تخففه ضرورات سير الأحداث حينا، وتبقيه مشتعلا حينا آخر.
لكن لا شيء فوق تلك المصالح!
لا جديد في إقليم كردستان، القائم وسط خطوط النار في الشرق الأوسط المتغير والمتناطح على خط الصراعات الاقتصادية والسياسية والأمنية الإقليمية والدولية.
ولا شيء يدعو للتوقف للمراجعة والاصلاح والتغيير! فتقسيم الامتيازات بين قادة الادارتين جار على أفضل حال.
والتوافقات المالية ماضية والمراكب الحزبية تجري … والاستثمارات والصفقات والمقاولات، كما مدفوعات الرواتب لا شيء فيها يدعو للقلق، فلا ضاغط.. ولا مضغوط.
لا جديد
بعد ستة أشهر، من انتخابات 20 اكتوبر تشرين الأول 2024، وبعد نحو عامين من الغياب التام للبرلمان الكردستاني عن المشهد (منذ 30 أيار 2023).
وبعد سنوات من تلكؤ التشريع وغياب الرقابة وانعدام المحاسبة.
وبعد عشر سنوات من آخر الموازنات المالية المقرة برلمانيا.
وبعد الانقسام الفعلي للإقليم الى ادارتين، بجهازين امنيين وبتشكيلات عسكرية شبه منفصلة، وبهيكل مالي منقسم، وبواردات معابر لا تصل الى وزارة المالية، وبفوضى كبرى في استحصال الرسوم وما يشبهها في معابر ونقاط أمنية وتجارية تدار حزبيا.
وبعد سنوات من جهاز قضائي يعاني من التصارع الحزبي والانقسام.
وبعد ثلاثة عقود كاملة من تسيد الحزبية في كل ركن ومفصل، حزبية تسود في كل قطاع، تعليمي، جامعي، صحي، تروبي، بيئي، ثقافي، صناعي، استثماري …. وفي ظل غياب ممنهج للمؤسسات الموحدة، للنقابات “التي لم تنتخب منذ أكثر من عقد”، وللمجتمع المدني “الغارق في الحزبية”، ومع تراجع مستمر للاعلام الحر (تغذيه بشدة موجة تراجع الديمقراطية والحقوق المدنية والحريات في امريكا وبعض أوربا).
لا شيء يدعو للقلق.. بل كل بيانات القادة تبعث الأمل.
كل جولاتهم الدبلوماسية، ومحطاتهم الداخلية.. تقول إن الأمور آمنة والأوضاع متقدمة وراسخة.
لا جديد
ثلاثون عاماً والحزبان يبحثان استراتيجية توحيد الحكومة، والأمن، والبيشمركة، والعائدات، والمعابر، وصفوف القضاء، وهياكل المؤسسات.
ثلاثون عاما، بلا دستور حاكم، ولا قوانين راسخة ناظمة، ولا بناء ديمقراطي متكامل، ولا حتى انتخابات دورية.
صحيح.. لكن في قواعد السلطة، لا شيء يدعو للقلق.
لا شيء يستحق في الكيان الكردستاني، ان تقف عنده جموع المثقفين والسياسيين، المثقفين الذين طوقتهم رواتب وظائفهم الحزبية، والسياسيين الذين أدمنوا اليأس، أو أسكتتهم الامتيازات، أو كبلهم شعور اللاجدوى، شعور ان الإقليم سيظل محكوما بقيود وأطر وثنائيات ودوامات صراع، وارادات لاعبين إقليميين، وعتبات فشل لا مفر منها.
شعور يتنامى، مع الانهيارات القيمية- الليبرالية في اوربا وامريكا، وفي ظل داخل ضعيف منزوع الديناميكيات وخارج إقليمي مستحكم مستفيد.
لا جديد.. على الرغم من التصارع والانقسامات، ومفاصل الضعف والانكسار … لا شيء في دواوين السلطة يدعو للقلق.. للمراجعة والتغيير.
ما المشكلة، ان لا تكون لديك حكومة موحدة، وبرلمان حقيقي يراقب ويشرع ويحاسب، ومؤسسات عامة جامعة، وهيكل قضائي راسخ، ونقابات واتحادات ومجتمع مدني متضامن، وتعليم متقدم، واعلام حر، ومسار ديمقراطي سالك وحريات وحقوق مصانة وعدالة ومساواة؟
ما المشكلة اذا لم يكن لديك استراتيجية بناء وتنمية مستدامة، اقتصاد حقيقي، صناعة وزراعة وانتاج، وبالتالي المشكلة اذا لم تكن هناك فرص عمل، ولا فرص انتاج وتطوير..؟
ما المشكلة اذا كنت وسط حروب غير معلنة، او وشيكة التفجر؟
الأمور جيدة.. والحياة طبيعية.. طبيعية تماما.. ولا شيء يدعو للمراجعة.. للضغط والتنبيه من القادم؟
لا شيء يفرض ان تكون هناك حكومة واحدة حاكمة قائدة.
لا شيء يدعو لتوحيد الصفوف الكردية في جبهة واحدة، في اربيل وبغداد.
ولايهم كثيرا استعادة التوازن والشراكة المفقودة في بغداد.
واعادة طرح ملف المناطق المتنازع عليها، وملفات الدستور الحاكم، والمجلس الاتحادي الغائب، والمحكمة الاتحادية المثيرة للجدل، والقوانين الاستراتيجية المعطلة.
لا شيء مهم
كل التعاطي السائد في كردستان، مع التطورات الإقليمية الكبيرة، التي شكل بعضها فرصا للكيان الكردي للنهوض وتعزيز موقعه ووجوده، وحتى تصحيح مسار الدولة العراقية… كل ذلك التعاطي يقول: لا شيء مهم.. لا شيء يدعو للتوقف، للمراجعة واعادة الانطلاق.
الشعب منهك .. وكل ما يتطلع اليه بات محصورا بتسلم راتبه نهاية كل شهر.
والحاكمون الكبار، لا ملف يثير قلقهم!
فالأمور تمام … وتقسيم امتيازات السلطة ماضي بلا خلاف جوهري، وعلى افضل حال.
والمناصب والمواقع العليا تحت السيطرة.
وكل شيء آخر لا يهم.
يقول النائب في برلمان كردستان علي حمه صالح، في تصريحات خلال ملتقى السليمانية، وبحضور بعض كبار الساسة الذين كانوا يتبادلون الابتسامات: نحن في إقليم، القانون ليس مستقلا فيه، أنا عملت لأكثر من 15 عاما في مواجهة الفساد، وقدمت 170 ملفا للمحاكم، لم يحاسب وزير أو مسؤول، الوحيد الذي تم محاكمته هو انا مقدم الدعاوى.
يختصر صالح، الذي يترأس كتلة “الموقف”، اجابته عن سؤال بشأن: كيف يكون هذا هو واقع الإقليم في حين يتصدر الحزبان الحاكمان كل مرة النتائج الانتخابية؟ قائلا: انها السلطة واستغلال المال العام.
* * *
اضاءة: في كل دورة يتراجع دور البرلمان الكردستاني أكثر وأكثر في ظل ترشيح شخصيات من خارج المراكز القيادية، واختيار شخصيات عشائرية واجتماعية بلا خبرات. ستة اشهر وممثلو الشعب المنتخبون، بلا مواقف تجاه تعطيل البرلمان وتأخر تشكيل الحكومة، يتلقون رواتبهم دون أن يحضروا جلسة عمل واحدة.
اضاءة: بعد ستة أشهر من الانتخابات، لم يبحث قادة الحزبين الحاكمين الى الآن بجدية في أبرز أزمات الإقليم، ولا تطرقوا لمحور خلافاتهم المتمثل بتوزيع المناصب القيادية. وجاء في آخر بيان مشترك: “خلال الاجتماع، الذي جرى في أجواء ودية وإيجابية، تمت مناقشة خطوات تشكيل الكابينة الحكومية الجديدة وكانت هناك خطوات إيجابية وتقدم جيد. وستستمر الاجتماعات في الأيام المقبلة”.
أقرأ ايضاً
- دور "الدلالين" في ركود بيع وشراء العقارات ببغداد والمحافظات
- نينوى في دائرة النار من جديد.
- الاعتذار .. سهل ممتنع تتهاوى عند أعتابه الرجال