- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشهادة الثالثة.. مسألة جدلية أم حقيقة مغيبة؟

بقلم: علي الراضي الخفاجي
أثير في الفترة الأخيرة موضوع الشهادة الثالثة ومشروعيتها بين الوجوب والاستحباب، في حين إنَّ حكم الاتيان بها في الفقه الإمامي منتزع من الأدلة الشرعية، فيما اعتبرها المخالفون بدعة، ماجعل الشعور العام عند الطائفة موسوم بالتحدي والاصرار عليها واعتبارها حقيقة مغيبة وهوية مطاردة، فأصبح الحديث عنها يدور في جانبين: جانب شرعي وجانب تحدي حولها إلى هوية بارزة للتشيع.
تُعدُّ الشهادة الثالثة في الأذان قضية راجحة شرعاً، والكلام عن مشروعيتها لايوجد فيه منع من قول أو فعل، لذا ذهب بعض فقهاء الطائفة إلى وجوبها، ومنهم من ذهب إلى استحباب الاتيان بها لقاعدة التسامح في أدلة السنن، وقد صرح بذلك صاحب المستمسك المرحوم السيد محسن الحكيم:(بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز التشيع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً)، 5: 545.
وادِّعاء المخالف كونها بدعة لأنها غير موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وآله لايصلح دليلاً للاعتراض، فلعلَّ عدم ذكرها في أحاديثه صراحةً ليس من جهة عدم المقتضي بل لوجود المانع، فالظرف كان يعجُّ بالحاسدين والمعارضين للإمام علي عليه السلام، وهو نفس الظرف الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله يخشى من المنافقين في تبليغ الولاية لعليٍّ عليه السلام حتى نزل أمره تعالى((يأيها الرَّسولُ بلِّغْ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالته واللهُ يعصمك من الناس))المائدة/ 67، ما جعل الرسول الأعظم يمتثل للأمر الإلهي في التبليغ.
من هذا يبدو أنَّ الشهادة الثالثة نودي بها بعد بيعة الغدير بدليل اعتراض الأعرابي للنبي صلى الله عليه وآله حينما أعلن في يوم الغدير ولاية علي عليه السلام، فيما روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بعضد عليِّ بن أبي طالب يوم غدير خم ثم قال: من كنتُ مولاه فهذا مولاه، فقام إليه أعرابي فقال: دعوتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أنك رسول الله فصدقنا، وأمرتنا بالصلاة فصلينا وبالصيام فصمنا، وبالجهاد فجاهدنا، وبالزكاة فأدينا، فلم يقنعك إلا أن أخذت بيد هذا الغلام على رؤوس الأشهاد فقلت: اللهمَّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، فهذا عن الله أم عنك؟ قال: عن الله لاعني، فقال: الله الذي لا إله إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟ قال: نعم ثلاثاً، فقام الأعرابي مسرعاً إلى بعيره وهو يقول:اللهمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما استتمَّ الأعرابي الكلمات حتى نزلت عليه نار من السماء فأحرقته، وأنزل سبحانه في عقب ذلك((سأل سائلٌ بعذاب واقع))المعارج/1.
وبحسب القواعد الأولية ورد عن أهل السنة الإقرار بالولاية لعليٍّ عليه السلام لولا تأثير البيئة على ثقافتهم، نحو مارواه الحاكم عن أبي ذر قال:(ماكنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب)، وهذا يؤكد أنَّ الإيمان موقوف على الإقرار بالولاية، فلماذا هذا الإنكار على الطائفة في جعلهم الشهادة الثالثة فصلاُ في الأذان؟! أليس من مصاديق الإقرار هو الشهادة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية؟ وإذا كان من ينكر على الشيعة الاتيان بها وأنها بدعة فماذا عن الزيادة في إضافة(الصلاة خير من النوم)في أذان الصبح؟! على ماذكره مالك في الموطأ:(إذْ بلغه أنَّ المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح)، فرغم اتفاق المسلمين على أنَّ أحد فصول الأذان كان(حيَّ على خير العمل)فقد منعها عمر معللاً أنها حثٌّ وتأكيدٌ على الصلاة، في حين تقدم الحث عليها في عبارة(حيَّ على الصلاة)فما معنى لتكرارها في(حيَّ على خير العمل)؟ وأنَّ ذلك تأخير الجهاد وتركه، فاستبدلها بالتثويب في صلاة الصبح بـ(الصلاة خير من النوم).
وهناك روايات كثيرة يستفاد منها اقتران الشهادة لعلي بالولاية مع الشهادة بالنبي صلى الله عليه وآله بالرسالة في الأذان وغيره، منها مارواه الخوارزمي بسند معتبر عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل عليه السلام وقد نشر جناحيه فإذا في أحدهما مكتوب: لاإله إلى الله محمد النبي، ومكتوب على الآخر: لاإله إلا الله علي الوصي).المناقب، ص/302.
وفي رواية الصدوق في العلل أوضح المعصوم العلة من وراء ذلك المنع، فعن محمد بن أبي عمير في سؤاله للإمام أبي الحسن عليه السلام عن(حيَّ على خير العمل) لِمَ تُركتْ في الأذان؟ قال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلتُ: أريدهما جميعاً، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلَّا يدع الناس الجهاد اتكالاً على الصلاة، وأما الباطنة فإنَّ خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حي على خير العمل من الأذان أن لايقع حثاً عليها ودعا إليهما). الوسائل، باب 19 باب الأذان والإقامة.
وإذا كانت هذه الزيادة مُبرَّرة عند أهل السنة ومُستحْسنة، فلماذا عدُّوا الشهادة الثالثة على فرض زيادتها مُستنكرة؟! وهم يروون عن عمر منعه من الاتيان بـ(حيَّ على خير العمل) مع اعترافه أنها كانت على عهد رسول الله، وهو مارواه التفتازاني من أنَّه قال:(ثلاثٌ كُنَّ على عهد رسول الله أنا أنهى عنهنَّ وأحرمهنَّ، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيَّ على خير العمل).شرح المقاصد، 5: 283، واعتذر التفتازاني عن هذا الإلغاء بأنَّ هذه مسائل اجتهادية، وهو اعتراف واضح بأنه اجتهاد مقابل النص، لذا حملت صفحات التاريخ فصولاً من هذه المحنة في حق شيعة أهل البيت عليهم السلام يكشف عن الاضطهاد الذي عانوه جراء الإصرار على إبقائها في الأذان؛ لأنهم عرفوا عن أئمتهم أنها تعني الولاية.
ومتعة الحج المنهي عنها قد عملها رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث نصَّ عليها سبحانه في سورة البقرة في قوله تعالى((فمن تمتع بالعمرة إلى الحجِّ فما استيسر من الهدي..))البقرة/196، ومعروف أنَّ الحج أضيف بهذه الكيفية إلى التمتع لما فيه من المتعة، أي إباحة محظورات الإحرام في المدة المتخللة بين الإحرامين، وورد في كتبهم ما يؤكد وجودها قبل المنع، كما في سنن البيهقي، 1: 426:(وكان علي بن الحسين يقولها في الأذان)، وفي كتاب الاعتصام بحبل الله المتين لمؤلفه القاسم بن محمد، 1: 278:(قال الحسن بن يحيى بن الحسين: أجمع آل رسول الله على أن يقولوا في الأذان والإقامة(حيَّ على خير العمل)وأن ذلك عندهم سُنَّة، ولمْ يزل النبي يؤذن بحيَّ على خير العمل حتى قبضه الله إليه، وكان يؤذن بها في زمان أبي بكر، فلما وَلِيَ عمر قال: دعوا حيَّ على خير العمل لايشتغل الناس بها عن الجهاد، وكان أول من تركها).
أقرأ ايضاً
- تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية.. تهديد أم فرصة للعراق؟
- التزييف العميق.. لعبة الذكاء الاصطناعي التي تهدد الحقيقة والعدالة
- هل الاستقالة حل؟ أم هروب من المسؤولية؟