- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التزييف العميق.. لعبة الذكاء الاصطناعي التي تهدد الحقيقة والعدالة

بقلم: رنا عمار سعيد حافظ
في زمنٍ أصبحت فيه التكنولوجيا تتغلغل في كل تفاصيل حياتنا ظهر التزييف العميق أو ما يُعرف بـ (Deepfake) كأحد أخطر ابتكارات الذكاء الاصطناعي التي تهدد مفهوم الحقيقة ذاته حيث تعتمد هذه التقنية المتطورة على خوارزميات التعلم العميق لإنتاج مقاطع فيديو وصوتيات شديدة الدقة تُظهر أشخاصاً حقيقيين وهم يتحدثون أو يتصرفون بطريقة لم يفعلوها يوماً فتبدو الصورة حقيقية والصوت مطابقاً حتى أدق التفاصيل من نبرة الصوت إلى تعابير الوجه وحركة العينين ليجد المتلقي نفسه أمام مشهد يصعب بل يستحيل أحياناً تمييزه عن الواقع مما يحول هذه التقنية من مجرد وسيلة ترفيهية أو أداة لصناعة الأفلام والمؤثرات البصرية إلى سلاح رقمي بالغ الخطورة يمكن استخدامه لتزوير الحقائق والتلاعب بالعقول فقد بات من الممكن صناعة خطابات مصورة لقادة سياسيين يعلنون قرارات لم يتخذوها أو خلق فضائح أخلاقية ومقاطع مسيئة لمشاهير وشخصيات عامة بهدف تشويه السمعة أو الابتزاز بل إن خطورة التزييف العميق لا تقف عند حدود الأفراد بل تتجاوز ذلك إلى تهديد استقرار الدول والأنظمة الاقتصادية والسياسية خاصة مع إمكانية استخدامه في نشر أخبار كاذبة وتضليل الرأي العام، والتأثير على نتائج الانتخابات أو حتى إثارة الفتن والنزاعات والأسوأ أن تطور هذه التقنية يجري بوتيرة أسرع بكثير من قدرة الحكومات والمؤسسات على مجاراتها أو ضبطها ما يجعلنا أمام تحدٍ حقيقي في مواجهة محتوى مزيف بإتقان يفوق قدرة العين والعقل على كشفه لتصبح الحقيقة في زمن التزييف العميق عملة نادرة والشك قاعدة يومية لا مفر منها وفي ظل هذا الواقع المربك يصبح من الضروري أن نكون أكثر وعياً وحرصاً في التعامل مع كل ما نراه ونسمعه وأن نتعلم كيف نُحلل ونُدقق ونتحقق من مصادر المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها لأننا أصبحنا نعيش في عالم قد تنقلب فيه كل الحقائق في لحظة واحدة بفيديو مزيف أو تسجيل صوتي محكم لتتحول هذه التقنية إلى قنبلة رقمية موقوتة قادرة على هدم الثقة وتدمير مصداقية كل ما نراه حولنا وبينما تتصاعد خطورة التزييف العميق وتزداد انتشاره بدأت الدول والأنظمة القانونية تدرك أن مواجهة هذا الخطر الرقمي لا يمكن أن تقتصر على التوعية فقط بل لا بد من إطار قانوني واضح وصارم يجرّم إنتاج أو نشر أو تداول المحتوى المزيف الذي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل يضر بالأفراد أو المؤسسات أو الأمن القومي، حيث شرعت بعض الدول في سن قوانين تجرّم استخدام التزييف العميق في التشهير أو الابتزاز أو تزييف الحقائق السياسية والاجتماعية واعتبار أي محتوى يتم إنتاجه بهذه التقنية دون تصريح أو بقصد الإساءة جريمة إلكترونية مكتملة الأركان تستوجب العقاب قد تصل إلى السجن والغرامات الكبيرة كما أصبح لزاماً على المنصات الرقمية وشركات التكنولوجيا تطوير أدوات لرصد هذه المقاطع والتعامل معها بسرعة قبل انتشارها إلا أن الإشكالية الكبرى التي يواجهها القانون تكمن في صعوبة الإثبات الفني والتقني ففي ظل تطور أدوات التزييف العميق أصبح كشف الزيف يحتاج إلى تقنيات متقدمة وخبراء متخصصين في تحليل الفيديوهات والأصوات مما يجعل ملاحقة الجناة أمرًا معقدًا ويفتح الباب أمام تحديات قانونية كبيرة في إثبات الجريمة ونية الفاعل ولهذا فإن التصدي لخطر التزييف العميق يتطلب تكاملًا بين القانون والتقنية والوعي المجتمعي لضمان عدم تحول هذه الأداة إلى وسيلة لتدمير السمعة والأمن، وخلق عالم رقمي تُطمس فيه الحقيقة وتُصنع الأكاذيب ببراعة.
أقرأ ايضاً
- الفقر ليس تهمة.. القيادة بالخبرة والمعرفة والذكاء
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية
- الذكاء الاصطناعي والانتخابات وصناعة القرار الانتخابي