- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التجنس بالاستثمار وموقف المشرع العراقي

بقلم: دعاء جليل حاتم
مع ما يشهده العالم المعاصر من تقدم اقتصادي كبير، وامتداد أفق التبادل التجاري الدولي، والسعي لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، عمَّدت البعض من الدول إلى محاولة ابتكار مفردة جديدة في باب الجنسية أطلق عليها الجنسية الاستثمارية أو التجنس بالاستثمار.
يعرف التجنس بأنه "طلب الفرد الانتماء إلى دولة معينة، وموافقتها على قبوله فيها كأحد رعاياها"، وتعتبر الجنسية المعتمدة على أسس _اقتصادية_ استثمارية فكرة مستحدثة تستخدم لمنح الجنسية لشخص طبيعي أجنبي؛ يرغب بالحصول على جنسية البلد الذي يقيم فيه، أو يمارس فيه أعماله الرئيسة، لقاء استثمار خبراته أو أمواله بنسبة معينة يحددها قانون البلد المضيف، وضمن مدة قانونية محددة؛ وبشروط معلنة سلفاً، مع احتفاظ – الجنسية الاستثمارية- بوصفها حقاً ممنوحاً يتوقف على التقاء إرادتي كل من الدولة والشخص الأجنبي، وتسري عليها أحكام الجنسية الوطنية، من حيث نشوئها وانقضائها، ويتمتع المتجنس بالحقوق ويتحمل الالتزامات الناشئة عن اكتساب الصفة الوطنية.
التجنس بالاستثمار، يمثل صورة غير تقليدية من صور اكتساب الجنسية بالتجنس؛ لأن الجنسية في هذه الحالة تمنح على أساس "الفائدة" التي تحصل عليها الدولة، كخدمات أو خبرات مميزة واستثنائية أو منافع مادية مثل جلب الاستثمارات الهامة للبلاد، من هنا تعدُ برامج الجنسية بطريق الاستثمار طريقاً مباشراً للحصول على جواز سفر ثاني؛ إذ يُمنح المتقدمون جنسية دائمة وجواز سفر عند الاستثمار في الدولة المانحة للجنسية دون الحاجة إلى الإقامة لمدة محددة كالجنسية الاعتيادية في تلك الدولة، مشتملةً "الجنسية الاستثمارية" على نظام يتضمن خيارين رئيسيين هما المساهمة غير القابلة للاسترداد (تبرع)، أو الاستثمار العقاري المعتمد من قبل الحكومة.
اتجهت بعض تشريعات الدول في الوقت الحاضر إلى تبني منهاج منح الجنسية بطريق الاستثمار، باعتباره أحد المصادر المكملة لدعم الاقتصاد، بما يوفرهُ من عوائد نقدية واستثمارات متعددة سواء كانت علمية أو عقارية وتشغيل الأيدي العاملة، خاصة وأن الأساس الذي تقوم عليه هذه الصورة للجنسية الاستثمارية هو المنفعة المتبادلة (المنفعة الاقتصادية)، على خلاف ما تقوم عليه الجنسية المكتسبة على أساس الإقامة أو الزواج المختلط، أو التجنس بالتبعية، فضلاً عن الأسس الرئيسة المتمثلة بحق الإقليم أو الدم أو الأثنين معاً؛ وهي أسس تقوم بشكل رئيسِ على حق المواطنة، هذا الحق الذي تجاهلته الجنسية الاستثمارية، ومن هذه الدول فرنسا وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة.
أما المشرع العراقي فلم تنص تشريعاته إلى تبني ذات النهج، بالعودة إلى نصوص الدستور العراقي النافذ لعام 2005، وإمعان النظر في المواد (25 -26) منه، نجد أن المشرع العراقي أورد مصطلح الأسس الاقتصادية والاستثمارية لكنه لم يقصد بذلك الجنسية الاستثمارية؛ إذ لا بد من وجود نص قانوني صريح يضيف هذا الحق الى نصوص قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 النافذ، فعلى الرغم من تحديد الأخير لحالات اكتساب الجنسية العراقية من قبل المشرع إلا أنه لم يتضمن معالجة واضحة لحالة اكتساب المستثمر الأجنبي للجنسية بطريق الاستثمار، ولم ينص على مميزات لاكتساب الجنسية من خلال هذه الطريقة التي اعتمدتها بعض التشريعات المقارنة، كتحديد التسهيلات ومدة الإقامة التي قد تكون قصيرة مقارنة بالإقامة الطويلة؛ إذ أن طول المدة الزمنية للإقامة والحصول على الجنسية تستوجب فترةً قد تكون من العوامل التي تعيق الاستثمار، وباستقراء قانون الاستثمار العراقي رقم (13) لسنة 2006 باعتباره القانون المنظم لحالة المستثمر طالب الجنسية، نجد أنه لم يحدد مدة إقامة المستثمر الأجنبي أو نوع الإقامة وإنما ذكر في المادة (12/ثانياً) على "منح المستثمر الأجنبي والعاملين في المشاريع الاستثمارية من غير العراقيين حق الإقامة في العراق وتسهيل دخوله، وخروجه من وإلى العراق"، وعرفت المادة (1/10) المستثمر الأجنبي بأنه "الشخص الحاصل على إجازة استثمار والذي لا يحمل الجنسية العراقية إذا كان شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً مسجلاً في بلد أجنبي"، دون الإشارة إلى منح المستثمر -الجنسية الاستثمارية – على خلاف تشريعات الدول المقارنة.
وبهذا، يمكن القول بأن موقف المشرع العراقي في قانون الجنسية النافذ والقوانين ذات العلاقة لم يتضمن معالجة صريحة لهذا النوع من التجنس، على الرغم من أنه راعى الأسس الاقتصادية في مواده، إلا أنه لم ينص على الصورة الأخيرة من التجنس "الاستثماري".
أقرأ ايضاً
- حقوق الأم في القانون العراقي
- الاتجاه الجديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي
- المهندسون وحجر الزاوية في السياسات الاقتصادية والتنموية العراقية