- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل الاستقالة حل؟ أم هروب من المسؤولية؟

بقلم: علي مبارك
قدّم النائب حسين عرب استقالته من عضوية مجلس النواب العراقي، احتجاجًا على مقتل المواطن المهندس بشير داخل أحد السجون في بغداد، بعد تعرضه لضرب مبرح أودى بحياته في المستشفى. هذه الخطوة أثارت موجة من التفاعل في الرأي العام، خصوصًا أن النائب عرب لم يكن صامتًا أو غائبًا عن القضية، بل كان من أوائل من تفاعلوا معها إعلاميًا، وعبر عن موقفه بوضوح، وأعلن تشكيل لجنة لمتابعة ومحاسبة المتسببين، في مؤتمر صحفي من داخل قبة البرلمان.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الاستقالة هي الوسيلة الاكثر فاعلية لنائبٍ يمتلك منبرًا رقابيًا وتشريعيًا يمكن أن يُحدث من خلاله فارقًا حقيقيًا؟ أم أن الاستقالة، وإن كانت صرخة في وجه الظلم، تمثل تخليًا عن أهم أدوات المحاسبة والمتابعة التي يملكها النائب داخل الدولة؟
من المعروف أن عمل النائب في العراق، كما في كل الأنظمة البرلمانية، يقوم على التشريع والرقابة. ومن موقعه هذا، يستطيع أن يستجوب، ويحقق، ويضغط عبر القنوات الدستورية لكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا. إن الخروج من المؤسسة البرلمانية، رغم أنه قد يعكس موقفًا إنسانيًا نبيلًا، إلا أنه في ذات الوقت يسحب من النائب أهم أدواته في التغيير والمحاسبة.
وعلى الرغم من كل هذا، لا يمكن تجاهل أن العراق على أبواب انتخابات نيابية في نهاية عام 2025، وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل كانت استقالة النائب حسين عرب أيضًا تكتيكًا سياسيًا محسوبًا، يهدف إلى تعزيز صورته أمام ناخبيه كصاحب موقف حازم ومدافع عن الحقوق؟ في زمن تفقد فيه السياسة الكثير من مصداقيتها، تبدو المواقف العاطفية الجريئة أداة فعالة لكسب التأييد الشعبي، خاصة إذا جاءت في سياق قضية تمس الرأي العام وتُثير مشاعر الغضب الشعبي.
إن المواقف الشجاعة لا تُقاس فقط بصوت مرتفع أو بخطوة احتجاجية، بل تُقاس بمدى القدرة على إحداث أثر حقيقي ومستدام.
النائب حسين عرب كان يمكن أن يذهب أبعد من ذلك، مستفيدًا من موقعه، لتفعيل دور البرلمان، واستدعاء المسؤولين، والضغط لتعديل القوانين، وكشف الثغرات في المنظومة الأمنية والقضائية التي تسمح بحصول مثل هذه الانتهاكات.
فهل تكفي الاستقالة لتكريم دماء الضحايا؟ أم أن الواجب الحقيقي يكمن في البقاء داخل الساحة، والمطالبة بالعدالة من داخل أروقة الدولة، لا من خارجها؟ وهل نشهد تحوّل الاستقالات من أدوات احتجاج إلى أدوات انتخاب؟ هذا سؤال مفتوح أمام كل نائب، وكل صاحب موقف في لحظة حرجة كهذه.
أقرأ ايضاً
- الاعتذار .. سهل ممتنع تتهاوى عند أعتابه الرجال
- وهل تتعلم امريكا من اخطائها الكارثية ؟
- تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية.. تهديد أم فرصة للعراق؟