
يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت تحديدا “العلامة 162″ إلى الواجهة، من جديد، وذلك بعد تقديم كل من رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، طعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق على قرارها الذي أبطل القانون رقم 42 لسنة 2013 بشأن تصديق الاتفاقية بين حكومتي العراق والكويت الذي يقتضي تنظيم الملاحة في خور عبدالله مطالبين إياها بالعدول عنه وإعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة وراء ذلك.
مختصون في الشأن السياسي وبرلمانيون، أكدوا أن الطعن المقدم من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء بشأن اتفاقية خور عبدالله يحتوي على خلل قانوني ودستوري، كاشفين في الوقت ذاته عن تحركات لاستجواب عدد من مسؤولين بشأن ميناء خور عبدالله.
وتعد النقطة “162” التي توقف عندها ترسيم الحدود الدولية الصادر من مجلس الأمن في عام 1993 برقم 833، والذي اعتبر خور عبد الله خطاً حدوديّاً بين الدولتين، ويقع خور عبد الله شمال الخليج العربي بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين، وشبه جزيرة الفاو العراقية.
وقال القاضي والوزير السابق وائل عبد اللطيف، إن “اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت تشوبها مخالفات قانونية ودستورية جسيمة”، مشدداً على أن “قرار المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية سليم بنسبة 100% ولا يمكن الطعن فيه، باعتباره قراراً باتاً وملزماً للجميع”.
وأوضح ان “خور عبد الله عراقي صرف ولا علاقة للكويت به مطلقاً”، مشيراً إلى أن “جلسة البرلمان التي شهدت التصويت على الاتفاقية لم تكن قانونية، إذ لم يكن هناك نصاب قانوني كافٍ، حيث بلغ عدد النواب الحاضرين ما بين 75 إلى 80 نائباً فقط”.
وأضاف أن “الوزيرين العراقيين اللذين وقّعا على الاتفاقية لم يكونا مخولين من الدولة لإبرامها”، معتبراً أن “ذلك يشكل خرقاً دستورياً واضحاً”.
كما أشار إلى وجود “تعمد في قضية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، رغم أن الاتفاقية مدعومة باتفاقية فيينا وتم التوقيع عليها من قبل الجانبين”.
أشار إلى أن “الطعن الذي تقدّم به رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشأن هذا الملف يتضمّن مخالفات دستورية وقانونية، خاصة وأن المحكمة الاتحادية قد حسمت هذا الموضوع وأعادت الأمور إلى مسارها الصحيح”.
إلى ذلك، كشفت رئيسة لجنة الاتصالات النيابية زهرة البجاري، عن حراك برلماني لاستجواب عدد من المسؤولين التنفيذيين للوقوف على تفاصيل دقيقة بشأن ملف ميناء خور عبدالله، في ظل الغموض الذي يكتنف بعض الجوانب.
وقالت البجاري إن “هناك جهوداً نيابية تُبذل حالياً لتفعيل أدوات الرقابة البرلمانية عبر استجواب عدد من المسؤولين المرتبطين بملف ميناء خور عبدالله”، مبينة أن “التفاصيل الكاملة لم تتضح حتى الآن”.
وأضافت أن “البرلمان يسعى للكشف عن حقيقة ما يجري داخل هذا الملف الذي أثار جدلاً واسعاً خلال الفترات الماضية، خاصة فيما يتعلق بالجوانب السيادية وتحديد الحدود البحرية”، مؤكدة أن “الاستجواب المرتقب سيكشف الكثير من الحقائق المغيبة”.
وكان رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني تقدما، في 15 نيسان الجاري، بطعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق على قرارها الذي أبطل تصديق الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة في خور عبد الله بين الكويت والعراق.
فيما قال وزير خارجية الكويت، عبد الله اليحيا، إن قيام الدولة العراقية بالطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا ببغداد، على قرار الدولة السابق الذي أدى إلى أبطال تصديق اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت، هو “شأن عراقي داخلي”.
واتهم عدد من أعضاء البرلمان ، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بالتدخل لعرقلة تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء اتفاقية خور عبد الله المبرمة مع الجانب الكويتي، وذلك استناداً إلى ما قالوا إنها وثيقة بحوزتهم.
وأعلن النواب عزمهم تقديم شكوى رسمية ضد رئيس الوزراء إلى الادعاء العام، على خلفية ما وصفوه بمخالفة قانونية لقرار صادر عن أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وتعتبر مسائل ترسيم الحدود بين الكويت والعراق من مسائل مصيرية عبر التاريخ بالنسبة لكلا الطرفين، نظراً لما اكتنفها من تطورات تاريخية نالت طابع الشد والجذب، وساهمت فيها التجاذبات التي سادت علاقات البلدين الجارين، ووصلت هذه التجاذبات لذروتها في آب 1990 بالغزو العراقي للكويت، واستمرار آثاره من القضايا الثنائية العالقة حتى اليوم.
وكانت الولايات المتحدة الامريكية، طالبت في كانون الأول الأول، 2024، الكويت، والعراق بـ”احترام” الاتفاقيات الدولية والانتهاء من ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق بعد علامة الحدود 162، بما يتماشى مع القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر (1982)، واستمرار سريان اتفاقية ميناء خور عبد الله.
وإبان النظام البائد، اجتاح الجيش العراقي الكويت في الثاني من آب 1990، وضم الدولة الصغيرة الغنية بالنفط إلى العراق، قبل أن يطرده تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة بعد نحو 7 أشهر.
وإثر غزو الكويت، خضع العراق لحصار اقتصادي استمر 13 عاما، واضطر إلى دفع تعويضات حرب كبيرة للدولة الخليجية عبر الأمم المتحدة.
وأنهت بغداد بحلول العام 2021 دفع كامل التعويضات المترتبة عليها، أي أكثر من 52 مليار دولار، وذلك بعد أكثر من 30 عاما على غزو الكويت.
وكان الخبير بترسيم الحدود ومستشار وزير النقل السابق حسن العبادي، أكد في تصريح سابق، أن “الحدود بعد العلامة 162، أهملت بالكامل، وفي وقت الحاكم المدني للعراق بول بريمر جرى حراك لترسميها، وقد تشجعت الكويت آنذاك لبدء المفاوضات مع العراق، لكنها كانت على قناعة بأن هذه المساحة البحرية قابلة للاستغلال بسبب تبدل الحكومات في العراق، فاتجهت إلى تعطيل المفاوضات“.
وأضاف أن “الكويت خلال السنوات الماضية، اتجهت إلى إنشاء جزيرتين اصطناعيتين قرب الخط الملاحي التجاري العراقي، وهو الخط الوحيد للعراق الذي تدخل منه السفن، وهذه أخطر جزر، لكونها تعتبر أراضي كويتية، وقد تمكنت الكويت من تسجيلها رسميا كجزر طبيعية في الخرائط الأدميرالية البريطانية وهذه كارثة“، مبينا أن “قانون البحار الدولي، اشترط أن تبتعد الجزيرة عن الساحل الكويتي، نصف مساحة البحري الإقليمي للدولة الساحلية المقابلة، وهذا ما تحقق بإحدى هذه الجزر، وجرى توسيعها وبناء برج مراقبة فيها على حساب العراق، وأصبحت الجزيرة تبعد عن ميناء البصرة 18 ميلا بحريا فقط“.
وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، فقد تم تقسيم خور عبد الله مناصفة بين العراق والكويت، فالحدود تبدأ من العلامة 107 إلى 110 وتمثل خط الساحل بين الجانبين، أي تكون المياه للعراق واليابسة للكويت، ومن النقطة 111 إلى 134 هو خور شيطانة، وتمثل خط التالوك لمجرى الينابيع العذبة، وبالتالي أصبح المجال البحري للعراق أكبر من مجال الجانب الكويتي، ومن النقطة 134 إلى 162 هو خور عبد الله، ويكون مناصفة بين العراق والكويت، أي الجزء الشمالي للعراق والجنوبي للكويت، فيما ترك القرار، ما بعد العلامة 162، ولم يرسمها، ورهن تحديدها بمفاوضات بين العراق والكويت.
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، زار الكويت مطلع 2023، وبحث هناك خلال زيارته التي استمرت لساعات عدة، التعاون بين البلدين وسبل تطوير العلاقات، دون التطرق لملف الحدود حسب البيانات الرسمية.
أقرأ ايضاً
- حرب ترامب التجارية.. من وهم "التحرير" إلى خطر التدمير
- أحداث كركوك.. الخطاب "العنصري" إلى أين؟
- أحداث كركوك.. الخطاب "العنصري" إلى أين؟