
في إطار جهود العراق لتعزيز دوره الدبلوماسي في المنطقة، في ظل ما تشهده من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، جاء ضعف التمثيل العربي خلال قمة بغداد الذي اقتصر على خمسة قادة فقط، ليفسد تلك الحماسة في العودة إلى الحضن العربي.
إذ انقسم ناشطون ومختصون في الشأن السياسي، اليوم الأحد، حول الأسباب وراء غياب أغلب قادة العرب عن قمة بغداد، بين من رأى أن الأخيرة تمثل يوما تاريخيا للعراق بغض النظر عن التمثيل الدبلوماسي للدول، وبين من اعتقد بوجود لوبي عربي، سعى إلى إفشال القمة.
وتعد هذه القمة، هي الأولى بعد نحو 13 عاما من استضافة قمة 2012، ورابع قمة يستضيفها العراق، بعد قمم 1978 و1990 و2012، وتأتي وسط توترات إقليمية ودولية.
وقال المحلل السياسي، طالب الأحمد، في حوار متلفز، "أنا اعتبر القمة العربية يوما تاريخيا، بغض النظر عن حجم التمثيل الدبلوماسي للدول العربية، لا سيما وأن المنطقة تمر بظرف حساس".
وأضاف، أن "قمة بغداد شهدت مستوى عال من التنظيم، وهناك توافق على كل الكلمات التي أشادت بالعراق، حتى وأن لم يحضر الكثير من القادة العرب للقمة"، مبينا أن "تبني القضايا العربية ليس بجديد على العراق، وأنه دائما سيبقى إلى جانب أشقائه العرب".
وتابع، أن "كلمة رئيس الوزراء، محمد السوداني في القمة، كانت جدا مهمة، حيث أنها عبرت عن قلب متألم ومحترق مما يجري في غزة".
إلى ذلك، قال المحلل السياسي الأردني، أحمد فهيم، في حوار متلفز، إن "ضعف التمثيل العربي أضاف لمخرجات القمة العربية التي دائما ما تأتي دون مستوى الطموح، مشكلة أخرى وخطيرة، وهي أن هناك لوبيا عربيا أراد أن يفشل هذه القمة، من خلال تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى هذا المستوى".
وتابع "أنا أرى أن هناك مشاريع انكلوساكسونية وانكلوامريكية، فضلا عن المشروع الصهيوأمريكي، ترى أن الفرصة مواتية لقمع أي قوة لا تتطابق مع المشروع الأمريكي في المنطقة، ولديها علاقات جيدة مع إيران".
وأكد، أن "الحديث حول عدم حضور الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع للقمة وراء ضعف التمثيل، أجده ذريعة ليست مقنعة، وذلك لأن العراق لديه موقف شخصي مع الشرع، وقد يبت القضاء في أمره خلال الفترة المقبلة، ولا يجوز لأي دولة أن تربط حضورها بحضور الشرع".
من جانب آخر، قال الباحث السياسي، مجاشع التميمي، أن غياب عدد من القادة العرب عن قمّة بغداد، لا يعني بالضرورة تقليلا من أهميتها.
ورأى التميمي، أن "ذلك يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي والارتباطات السياسية المتشابكة، ومن بين أبرز الأسباب، تصاعد التوترات فى غزة، والقلق من تداعيات الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، إضافة إلى انشغال بعض الدول بأجندات داخلية أو إقليمية خاصة".
وأضاف، أن "ملف خور عبد الله قد يكون أحد العوامل التي أثرت على مستوى تمثيل بعض دول الخليج، في مقدمتها الكويت، ما دفع بعض الدول لاتخاذ موقف تضامني معها، لكن المقاربة العراقية الرسمية كانت واضحة: احترام السيادة، والدعوة إلى الحوار، ورفض تسييس الخلافات البحرية".
وأوضح، أنه "من منظور عراقي، لا يفترض الرد على الغياب بمواقف تصعيدية، بل بالمزيد من الانفتاح والدبلوماسية الهادئة، والعراق اليوم يسعى لاستعادة دوره كجسر تواصل لا طرف نزاع، ويجب أن تبقى لغة التوازن والحكمة هي الغالبة، حتى مع تباين المواقف".
ولم تسجل القمة العربية في بغداد، ردود فعل بارزة من القوى والأحزاب السياسية، إذ لم تصدر بيانات مؤيدة أو معارضة لمقرراتها، باستثناء زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، الذي وجه رسالة إلى القادة العرب المجتمعين في بغداد دعاهم فيها إلى أن "يكونوا صفاً واحداً من أجل نصرة إخوانكم في غزة ولبنان واليمن"، كما دعا إلى "وقفة عربية تجاه سوريا ديمقراطية لا تشدد فيها ولا طائفية".
وركزت أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين في العاصمة العراقية بغداد، أمس السبت، على وقف الحرب على غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية، وسط دعوات لإصلاح منظومة العمل العربية.
وأطلق رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أمس السبت، عدة مبادرات خلال القمة التنموية، من ضمنها عهد الإصلاحِ الاقتصادي العربي للعقدِ القادم، والمبادرة العربية لتحقيق الأمن الغذائي من الحبوب، ومبادرة بغداد لتعزيز التعاونِ العربي في مواجهة التحديات البيئية والتغير المناخي، إلى جانب عدة مقترحات.
وعقدت هذه القمة، تحت شعار "حوار وتضامن وتنمية"، وسط تطلعات عربية لرسم خارطة طريق مشتركة، تعالج التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، وتعزز العمل العربي المشترك.
ودعا عضو مجلس النواب رائد المالكي، أمس السبت، الحكومة إلى التعامل بالمثل مع الدول العربية التي شاركت بتمثيل متدنٍ في قمة بغداد.
وقال المالكي عبر منشور في حسابه بـ"فيسبوك"، "ندعو الحكومة إلى التعامل بالمثل مع دول الجامعة العربية وتمثيل العراق في الاجتماعات القادمة بنفس مستوى تمثيلهم لدينا".
وأضاف، أن "العراق كبير وسيد وعلى الآخرين أن يعرفوا ويتذكروا ذلك".
واعتذرت عدة شخصيات سياسية عربية عن الحضور للقمة العربية المقامة في بغداد، بينما بعث رؤساء دول بدلاء عنهم لتمثيل بلادهم.
وشهدت القمة، يوم أمس، زيارة خاطفة لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، إلى العاصمة بغداد، والتي غادرها قبل انتهاء القمة، دون إلقاء كلمة فيها، والاكتفاء بلقاء رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، فيما غادر بعد ذلك الوفد الإماراتي دون إلقاء أي كلمة أيضاً.
وخلال الفترة الماضية، شهد العراق تحديات داخلية تتعلق بحضور رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى القمة العربية في بغداد، لا سيما وأن الأخير لديه سجل قضائي في العراق، وهناك مذكرة قبض بحقه، وكذلك قضية اتفاقية خور عبدالله المبرمة بين العراق والكويت، والطعون المقدمة لدى المحكمة الاتحادية بشأنها، مما انعكس سلبا على التمثيل الدبلوماسي للدول العربية، بحسب مختصين.
أقرأ ايضاً
- وصفت بـ"أضعف القمم".. لماذا غاب الزعماء عن قمة بغداد؟
- انخفاض الدولار.. "منجز حكومي" أم حدث "مؤقت" لعامل خارجي؟
- خبراء: قمة بغداد ستكون فرصة حقيقية لبناء شراكات اقتصادية فاعلة