
بعد ضجة إعلامية صاخبة، وتحضيرات أمنية ولوجستية طغت على كل شيء في العاصمة بغداد منذ أسابيع تحضيراً لقمتها العربية المرتقبة، عبرت أوساط سياسية عن خيبتها بعد غياب أبرز الزعماء وحضور 6 رؤساء فقط في القمة التي ضيفتها بغداد السبت.
وتفسيرا لضعف التمثيل العربي في هذه القمة، أجمل مراقبون جملة أسباب كغياب القرار السيادي في العراق والفوضى الإعلامية واضطراب الوضع الإقليمي والخلافات العربية بينها الصراع العراقي – الكويتي على المياه الإقليمية، وليس انتهاء بزيارة الجنرال الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بالتزامن مع المناسبة.
وفي هذا الصدد، يصف المحلل السياسي نزار حيدر، الحضور العربي في هذه القمة بـ”أضعف حضور منذ أول قمة عربية ولحد الآن”، وأن أهم الأسباب، كما يرى، “غياب قرار الدولة السيادي في العراق بسبب تنوع ولاءات الزعماء وهي الحقيقة التي يتخوف منها الزعماء العرب، إذ لا يرون في حضورهم قمة في بغداد له تأثير إيجابي على دعم الدولة العراقية بعد ثبت أن السوداني لا يمثل أكثر من واجهة تختفي وراءها الدولة العميقة والفصائل المسلحة والفساد والفوضى والفشل”، على حد قوله.
فوضى
ويضيف أن “هذه المخاوف تأكدت بالفوضى السياسية والإعلامية التي رافقت فترة التحضير للقمة فكان صوت الدولة ضعيفا أما صوت الأحزاب والميليشيات فكان طاغياً جدا”، مشيرا إلى أن السبب الآخر هو “ضعف دور العراق وحضوره في الملفات الساخنة في المنطقة، فكما هو معروف إن حجم وطبيعة الحضور في القمم العربية يعتمد بالدرجة الأساس على حجم وطبيعة حضور الدولة المضيفة في الملفات الاستراتيجية الأمنية منها والسياسية والاقتصادية”.
ويتابع حيدر، أن “حالة القمم العربية الشاملة أصبحت من الماضي فلقد دخلنا عهد القمم الثنائية ذات المشتركات المتشابهة الواحدة، فبعد أن استعاضت الدول العربية قضاياها المركزية كلا حسب أولوياتها واهتماماتها على حساب القضية المركزية (فلسطين)، لم يعد الزعماء العرب يكترثون كثيرا بقمة لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تلبي حاجاتهم وأولوياتهم الخاصة ذات الطبيعة الوطنية”.
ويشير إلى أن “العراق بات اليوم خارج الإجماع العربي فالجامعة العربية تتبنى مبدأ حل الدولتين في ما يخص القضية الفلسطينية، فيما ترفض بغداد ذلك التزاما بقانون تجريم التطبيع الذي شرعه مجلس النواب، ولذلك فليس بإمكان العراق من الآن فصاعدا أن ينسجم مع الإجماع العربي”.
وعن تأثيرات قضية خور عبد الله، على حضور دول الخليج فيما إذا ما كان ثمة موقف تضامني مع دولة الكويت، يجيب المحلل السياسي، “لا أظن ذلك أبدا.. السبب هو أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذه الدول ومخرجات قمة الرياض حققت الأولويات التي كانت بغداد تنتظرها وتحديدا ما يخص الجارة سوريا، ولذلك انتفت الحاجة لحضور قمة بغداد”.
وعما إذا ما كان يفترض على العراق اتخاذ موقف من تلك الدول بعد هذه المواقف، يقول: “لا أبدا، فالعراق ليس في وارد الانتقام مثلا وهو يبذل جهودا كبيرة لتحسين علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي، وان التفكير بمثل هذه الخطوة يعيده إلى المربع الأول خاصة بعد عودة سوريا إلى الصف العربي والدولي، إذ سيكون ذلك احد أسباب استعاضة دول المنطقة بغداد بدمشق لأسباب عدة، منها الانسجام السياسي مع الثانية وعدم وجوده مع الثانية”.
ويرى أن “بغداد بدلا من أن تلقي اللوم على غياب الزعماء العرب وضعف القمة أو فشلها عليها أن تبحث عن الأسباب الحقيقية لعدم حضور الزعماء ولماذا فشلت القمة، وعلى بغداد أن تفكر بصوت عال وتتحمل مسؤوليتها أمام شعبها أولا وتعيد النظر في سياساتها الخارجية التي أضعفت الموقف والموقع والدور العراقي بشكل كبير انعكس في قمة بائسة بكل معنى الكلمة”.
ويزيد قائلا إن “الأمر المهم الذي يجب لفت النظر إليه هو أن بغداد شهدت فشل 3 قمم كان من المفترض أن تنعقد بالتزامن مع القمة العربية، وهي القمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية بسبب عدم حضور ملك الأردن، وقمة دول الجوار السوري بسبب عدم حضور الملك بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي الذي اعلن عن نيته الحضور ولم يحضر”.
وانطلقت، أمس السبت، في العاصمة العراقية بغداد أعمال الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية، بحضور ستة زعماء دول ومسؤولين من الدول العربية، إلى جانب عدد من رؤساء الوزراء ونوابهم ووزراء الخارجية الذين يمثلون دولهم في القمة.
وسلم رئيس وفد مملكة البحرين رئاسة الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية إلى الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد الذي أعلن بدوره افتتاح أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين برئاسة العراق.
وركز العراق بدوره كمستضيف للقمة، على توحيد الصف وانتهاج سياسة خارجية متوازنة للحفاظ على التضامن العربي، ودعم القضية الفلسطينية، بحسب المراقبين.
وحضر القمة العربية على مستوى رؤساء الدول إلى بغداد، كلا من رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية رشاد محمد العليمي، ورئيس جمهورية موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، ورئيس جمهورية الصومال حسن شيخ محمود والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
زيارة قاآني
من جهته، يضع المحلل السياسي غالب الدعمي، ثلاثة أسباب أدت إلى انخفاض التمثيل العربي أحدها “هو زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بالتزامن مع القمة، فالزيارة بدت وكأن الأخير يريد نقل رسالة إيرانية للعرب عن أن رغبات إيران وقراراتها ستمضي في العراق، لذا فقد كانت زيارة موفقة وربما كانت مقصودة”.
ويضيف الدعمي، أن “السبب الآخر يتعلق بالخلافات التي حدثت بين العراق والكويت مؤخرا بشأن ميناء خور عبد الله، فقد بدا غياب الشخصيات الخليجية المهمة، كجزء من الضغط الذي تمارسه هذه البلدان على العراق للانتهاء من قضية ترسيم الحدود وتنظيم الملاحة في هذا الخور”.
أما السبب الثالث، يعود بحسب الدعمي، إلى أن “بعض الفواعل الشيعية التي تتزعمها شخصيات نيابية وغيرها أرسلت رسائل غير طيبة للعرب وبدأت تصف التمثيل العربي بأنه تمثيل مطبع مع إسرائيل وغيرها من التصريحات التي ظهرت هنا وهناك، وبالتالي أرى أن هذه الأسباب الثلاثة جعلت من القمة دون المستوى في التمثيل، ولكن نأمل أن يحقق الحضور الدولي كوجود الأمم المتحدة وإسبانيا وروسيا أهداف ورسائل هذه القمة عن استقرار العراق وتعافيه”.
وشارك في أعمال القمة أيضا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي.
وكذلك رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج لويجي دي مايو.
عوامل إقليمية
إلى ذلك، يجد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن “مجموعة عوامل وأسباب خلقت هذا الوضع في التمثيل العربي كنتائج الحرب الكارثية بعد 7 أكتوبر وما حصل في غزة من دمار، وهزيمة حماس وحزب الله في لبنان وسقوط النظام السوري السابق ووجود نظام مختلف تماما، والحرب في اليمن وكذلك الوضع في ليبيا والصومال، ناهيك عن موقف الفصائل العراقية المسلحة من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع والتهديدات التي أطلقوها ولم تخلق أجواء إيجابية للحضور”.
ويضيف فيصل، أن “التمثيل في هذه القمة كان محدودا جدا، لكن بالنهاية أن القمة العربية هي مؤسسة ظهرت بعد مؤتمر قمة الخرطوم بعد هزيمة حزيران، وهي كمؤسسة تعمل وفق قواعد ومبادئ، فسواء حضر الرئيس أو لم يحضر، فالمشاريع معتمدة ومقرة ومن الناحية البروتوكولية ويتم الإعلان عنها وتذهب إلى الدول لتنفيذها”.
أما ابرز القضايا التي يفترض أن تكون محسومة في القمة، يذكر، “قضية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولة ونظام سياسي وفق مبدأ حق تقرير المصير، واعتمادا على القرار 242 الأرض مقابل السلام المعتمد في مؤتمر مدريد والقمة العربية، وكذلك مساعدة الشعب اللبناني والسوري واليمني وضمان الأمن والحريات”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- ضعف "التمثيل" في قمة بغداد.. "لوبي عربي" أم خور عبد الله أم أجندة إقليمية؟
- خبراء: قمة بغداد ستكون فرصة حقيقية لبناء شراكات اقتصادية فاعلة
- الصدر يرفض الدعوات.. لماذا تصر القوى على مشاركته؟