
تتجه أنظار العراقيين صوب القمة العربية ليس لأنها تمثل تعزيزاً لدور العراق العربي والإقليمي فحسب، وإنما لما تحمل من مكاسب اقتصادية تنعكس بشكل إيجابي على الواقع الاقتصادي العراقي وبما ينسجم مع المنهاج الحكومي الهادف الى تعزيز التحالفات الاقتصادية وبناء شراكات استراتيجية فاعلة، حيث يرى خبراء من ذوي الاختصاص ان هذه القمة ستكون فرصة حقيقية لبناء شراكات اقتصادية فاعلة خاصة مع وجود ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية.
وفي هذا الصدد أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن "تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية يمثل أحد أبرز المحاور المطروحة على طاولة القمة العربية "، مشيراً إلى أن "هذا التعاون يشكل الحجر الأساس لتحقيق تكامل اقتصادي يعزز استقرار المنطقة ويفتح آفاقاً رحبة للتنمية".
تعزيز التعاون العربي
وأوضح صالح أن "العلاقات المستقرة بين الدول العربية تسهم في تدفق رؤوس الأموال والخبرات، وتعزز التجارة الإقليمية"، لافتا الى أن "المنطقة العربية تمتاز بعوامل وحدة اللغة والثقافة، ما يمنحها جاذبية اقتصادية إقليمية كبيرة".
وأشار إلى "وجود اتفاقيات عربية راسخة يمكن تفعيلها لدعم هذا التوجه، من بينها اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 1952 والمعدّلة لاحقاً، وكذلك اتفاقيات الاستثمار الثنائية والجماعية"، مشدداً على أن "مناخ التعاون العربي متاح ويشكل ركيزة مهمة لاستقرار العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول".
وبيّن أن "العراق يمتلك موقعاً محورياً في الخارطة الاقتصادية العربية، كونه بلد ارتكاز في جناحي الخليج والمتوسطي، وله امتدادات استراتيجية باتجاه إفريقيا وبلاد الشام، ويمتاز بإرث حضاري، فضلاً عن إطلالته الحيوية على الخليج”، مبيناً أن "استعادة العراق لدوره الاقتصادي تمثل استعادة للمجد العربي ولعناصر قوة المنطقة وشعوبها، فالعراق كان ولا يزال صانعاً لاقتصاديات السلام، ومشاركته الفاعلة في بناء تحالف اقتصادي عربي سيكون منطلقاً لمواجهة التحديات والتهديدات التي تواجهها الأمة العربية".
الاستثمارات العربية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي، هيثم الخزعلي، إن "العراق يمتلك إمكانات استراتيجية كبيرة يمكن أن تفتح آفاقاً واسعة أمام تحالفات اقتصادية مع الدول العربية"، مشيراً إلى أن "الاتفاقات والتحالفات الاقتصادية التي بدأت بالتبلور مع كل من قطر، الإمارات وتركيا يمكن أن تشكّل أرضية مهمة لاستقطاب الاستثمارات العربية ورفع مساهمتها في الاقتصاد العراقي".
وأوضح الخزعلي، أن "مساهمة الاستثمارات العربية في العراق لا تتجاوز حالياً 10%"، مؤكد "إمكانية رفع هذه النسبة إلى 30–40% من خلال مشاريع استراتيجية تشمل استثمار أكثر من 12 مليون دونم من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة، إضافة إلى مشاريع في مجالات الطاقة، وتقنية المعلومات، والنفط والغاز، والبنى التحتية، والتي تحتاج إلى تمويل يقدّر بأكثر من 100 مليار دولار".
وأشار الخزعلي إلى "وجود أكثر من 22 ألف موقع سياحي مسجّل في العراق لم يتم استثمارها بعد، ما يمثل فرصة كبيرة للاستثمارات العربية في القطاع السياحي"، داعياً إلى "تشكيل صندوق استثمار عربي خاص بالعراق يكون ذا فائدة مشتركة لجميع الدول العربية، ويرفع مساهمة الاقتصاد العربي في دعم الاقتصاد العراقي".
إدخال رؤوس الأموال
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي أن العراق لا يواجه تردداً في إدخال رؤوس الأموال العربية إلى أسواقه، بل يشهد رغبة متزايدة بالمشاركة من قبل المؤسسات المصرفية التي تعتمد معايير دولية في تسيير أعمالها.
وقال الشيخلي، إن "المصارف التي تضم رؤوس أموال عربية تنتهج سياسات مالية سليمة وتتبع أساليب مصرفية متقدمة تواكب المعايير العالمية، مما يعزز الثقة بالقطاع المصرفي العراقي".
وحول القمة العربية المرتقبة في بغداد، أشار الشيخلي إلى أنها "ستمثل نقطة تحول مهمة ستسهم في توضيح صورة العلاقة العراقية مع المحيط العربي والمؤسسات الإقليمية"، مبيناً أن "العراق شهد بعد عام 2003 عزلة نسبية عن محيطه العربي، نتيجة التأثيرات الخارجية، لكن الوضع بدأ يتغير تدريجياً، ما يعيد الثقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية".
وفي ما يتعلق بفرص العمل والاستثمار، أكد الشيخلي أن "العقدين الماضيين شهدا ركوداً اقتصادياً نتيجة الفساد الإداري والمالي، ما انعكس سلباً على مشاريع الاستثمار، إلا أن المرحلة الحالية تشهد توجهاً حقيقياً نحو استغلال الفرص والثروات المتاحة بصورة فعالة".
وأضاف أن "انعقاد القمة في بغداد سيمهد الطريق أمام استثمارات عربية واسعة تعود بالنفع على العراق، خصوصاً في ظل التحول الديمقراطي والثقة المتزايدة بالبيئة الاقتصادية العراقية، ما قد يتيح فرص عمل كبيرة وينعش الاقتصاد الوطني".
واكد الشيخلي على "أهمية تعزيز علاقات العراق مع دول الخليج والدول العربية، مشيراً إلى أن "تلك الدول حققت قفزات اقتصادية كبيرة بعد أن توفرت لها الفرص، وهو ما يمكن أن يشكل نموذجاً إيجابياً للعراق في المرحلة المقبلة".
بناء الاقتصاد المستدام
الى ذلك، دعا الخبير الاقتصادي، صفوان قصي إلى تحفيز الصناديق السيادية في دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات والكويت، للاستثمار في العراق، مشيرا إلى أن هذه الصناديق تمتلك أصولاً تتجاوز 3 تريليونات دولار.
وقال قصي، إن "توجيه جزء من هذه الأموال نحو المشاريع لاسيما طريق التنموية داخل العراق سيسهم في تأسيس مدن صناعية وزراعية وتجارية، ويدعم بناء اقتصاد مستدام"، مؤكدا أن "العراق بحاجة إلى زراعة نحو 18 مليار شجرة لتحسين البيئة والمناخ وتوفير أرضية مناسبة للزراعة المستدامة".
وأضاف أن "استثمار المعادن في المناطق الصحراوية وربطها بالإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية يمكن أن يكون بوابة لتحقيق الأمن الغذائي والنهضة الصناعية"، مبيناً أن "مشروع ربط العراق بخط طريق التنمية سيخلق فرصاً مهمة في القطاع الصناعي من خلال تسهيل انتقال السياح مع تركيا ودول الخليج عبر العراق، فضلاً عن ربط المدن المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف بمكة المكرمة لتعزيز السياحة الدينية والسياحة المشتركة".
وأوضح أن "نجاح هذا المشروع يتطلب مشاركة حقيقية من الدول الخليجية، وتعاوناً من الأيدي العاملة المصرية، إلى جانب نظام مصرفي أردني لدعم التمويل، وخبرات جزائرية في استثمار الغاز المصاحب، وكذلك دعم مغربي ولبناني وسوري في إدارة قطاع السياحة".
وأكد قصي أن "العراق يمتلك ثروات متنوعة تؤهله ليكون شريكاً فاعلاً في التكامل الاقتصادي"، داعيا إلى "تحويل التفاهمات الحالية مع الدول العربية إلى عقود وشراكات واضحة بضمانات مصرفية، وتحت إشراف القطاع المصرفي العراقي".
وذكر أن "العراق يسعى للعودة بقوة إلى المحيط العربي اقتصادياً ومالياً وثقافياً عبر بوابة التنمية المشتركة".
أقرأ ايضاً
- في قلب بغداد التجاري.. مرقد سفير الامام المهدي الثالث "الحسين بن روح" يعج بالمصلين والزائرين(صور)
- قدموا من بغداد وبابل والنجف الاشرف.. العتبة الحسينية تتكفل بعلاج ثلاث اطفال مجانا من امراض الدم
- إعادة تأهيل أنبوب "كركوك – بانياس".. تحديات كبيرة أبرزها غياب الجدوى الاقتصادية