
شهد سعر صرف الدولار أمام الدينار، انخفاضا ملحوظا منذ أيام، وسط تساؤلات عما إذا كان هذا الانخفاض يمثل تحسنا حقيقيا في المؤشرات المالية، أم مجرد “هدنة مؤقتة” سرعان ما تنقضي، وفيما عزا مستشارون ومراقبون، هذا الأمر إلى الإجراءات الحكومية، استبعد متخصص بالاقتصاد ذلك، واعتبرها “مؤقتا” ومرتبطا بالتأثيرات الخارجية وعوامل محلية أخرى.
وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي، أمام الدينار العراقي تراجعا خلال الأيام الماضية، حيث تراوحت أسعار السوق الموازية في بغداد بين 141.250 و143.250 دينارا لكل 100 دولار.
ويقول، مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، إن “استدامة تحسن سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار تعتمد على عاملين أساسيين، يتمثلان في قدرة البنك المركزي على استخدام احتياطاته الأجنبية ضمن أدواته الدفاعية، واستقرار أسعار النفط عالميا”.
ويضيف صالح، أن “السياسة النقدية الحالية للبنك المركزي نجحت تدريجيا في تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي بنسبة تجاوزت 15 بالمئة، وذلك من خلال تمويل التجارة الخارجية عبر مراسلين دوليين موثوقين، وتعزيز استخدام عملات بديلة كاليورو واليوان الصيني والدرهم الإماراتي”.
ويتابع أن “تسهيلات السفر، ومنح المسافرين إمكانية الحصول على الدولار بالسعر الرسمي وبطرق إلكترونية ومباشرة، خففت الضغط على السوق السوداء، إلى جانب دعم التجارات الصغيرة دون وساطات مكلفة”، مضيفا أن “السوق الموازي شهد ضعفا في الطلب على الدولار نتيجة تنوّع أدوات الدفع، وتحول شريحة من المواطنين نحو شراء الذهب والسندات الحكومية، فضلا عن تعرض التعامل بالدولار في السوق غير الرسمية للمساءلة القانونية”.
ومنذ سنوات، شكل سعر صرف الدولار أحد أبرز الملفات الاقتصادية الشائكة، إذ أصبح الدولار في العراق مؤشرا على استقرار الدولة أو هشاشتها، وسط محاولات متكررة من البنك المركزي لضبط السوق، تارة عبر رفع السعر الرسمي، وتارة عبر إجراءات فنية وتقنية للسيطرة على المنافذ والتجارة.
وكان عضو اللجنة المالية النيابية محمد نوري، كشف أواخر العام الماضي، عن تحرك داخل اللجنة ومجلس النواب، لاستجواب محافظ البنك المركزي، علي العلاق، وذلك بسبب عدم السيطرة على استقرار سعر الدولار، وهيمنة المصارف الأهلية على نافذة بيع العملة، مشيرا إلى تحرك آخر من خلال كتب ومخاطبات رسمية لتغيير العلاق “لتجاوزه السن القانونية واستمراره بالمنصب، في حين تجب إحالته إلى التقاعد”.
انخفاض مؤقت
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي، ناصر الكناني، أن “انخفاض سعر صرف الدولار في السوق المحلية خلال الأيام الماضية، لا يرتبط بإجراءات داخلية، قدر تأثره بالعوامل الخارجية، وأبرزها الركود الاقتصادي، وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع الضرائب على الصين ودول عدة، ما تسبب بانخفاض أسعار الأسهم في الشركات العالمية، وانخفاض سعر الدولار”.
ويرى الكناني، أن “الدينار العراقي عملة متحركة وليست ثابتة، وأن التقلب في سعر الصرف يتأثر بعوامل داخلية أيضا”، مشيرا إلى “دور تجار العملة والمضاربين في التحكم بالسوق من خلال عمليات ضخ الدولار وسحبه بشكل متعمد”.
ويحذر الكناني من أن “ارتفاع الدولار قد يعود في أي لحظة، بسبب ضعف أدوات الرقابة الحكومية، خاصة وأن الإجراءات الاقتصادية المتبعة ركيكة وغير كافية لتحقيق استقرار مستدام”.
وقد أصدر البنك المركزي حزما وإجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة، ومن ثم عاود مؤخرا الارتفاع لمستواه السابق والبالغ نحو 300 مليون دولار يوميا.
يذكر أن تقريرا أوردته وكالة “شفق نيوز”، أشار إلى أن انخفاض الدولار، يعود لخفض نشاط المكاتب الاقتصادية للفصائل المسلحة، نتيجة للضغوط الأمريكية والتهديد بفرض عقوبات.
“تحولات”
إلى ذلك، يرى النائب مختار الموسوي، أن “انخفاض الدولار قد لا يكون مؤقتا، بسبب جملة من العوامل الاقتصادية والسياسية المؤثرة، أبرزها تراجع السيولة المالية في السوق المحلية، إلى جانب حالة الركود الاقتصادي التي يعاني منها العراق، ما أثر بشكل مباشر على حجم العرض والطلب على الدولار”.
ويؤكد الموسوي، أن “هنالك تحولات في السياسات النقدية العالمية، أبرزها اتجاه بعض الدول إلى التقليل من الاعتماد على الدولار الأمريكي في تعاملاتها التجارية، وهو ما ساهم في إضعاف هيمنة الدولار في بعض الأسواق، بما فيها السوق العراقية”.
ويشير إلى “أهمية أن تقوم الحكومة العراقية والبنك المركزي بوضع خطط اقتصادية واضحة لمواجهة أي تقلبات مستقبلية في أسعار الصرف، والعمل على دعم الدينار العراقي وتقوية الاقتصاد عبر إصلاحات حقيقية ومستمرة”.
يذكر أن واشنطن قد تدخلت للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي في الفترات الماضية بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي.
وشهد الدولار ارتفاعا في العراق، مع اشتداد الحرب في المنطقة، أواخر العام الماضي، وخاصة الحرب بين إسرائيل ولبنان، التي أدت لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتدمير بنية الحزب التحتية.
ومؤخرا، تشهد المنطقة استقرارا نسبيا، وخاصة بعد إنطلاق جولات المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، وعقد 4 جولات حتى الآن، وقد وصفت من الجانبين بأنها “بناءة”، في خطوة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، وبحسب المعلومات فإن واشنطن وضعت شروطا مقابل الموافقة، أبرزها تخلي إيران عن أذرعها المسلحة في المنطقة، وخاصة العراق واليمن.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "الأمانات الضريبية".. بين السيولة النقدية وسوء إدارة الملف الاستثماري
- سحب "الأمانات الضريبية" لتمويل الرواتب.. فشل في السياسة المالية ينذر بـ"الاقتراض"
- 20 ساعة بلا كهرباء.. تشاؤم أمريكي لصيف العراقيين