
لم تشهد الدولة العراقية منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي، تصاعدا في عدد الأحزاب السياسية، كما هو الحال الآن، مما دفع مراقبين إلى التشكيك في جدوى هذه الكثرة، وفاعليتها في تعزيز الديمقراطية، في وقت تشير فيه الوقائع الميدانية إلى غياب التأثير الفعلي لغالبية هذه الكيانات على الشارع، وانعدام حضورها البرامجي أو الجماهيري في معظم المحافظات.
وفي هذا الإطار، أكد النائب السابق، محمد سلمان، اليوم الخميس، أن كثرة الأحزاب في العراق يعكس حالة من التشظي والانفلات السياسي، داعيا إلى تعديل قانون الأحزاب في العراق أسوة بدول العالم، من خلال عدد الأصوات الحاصل لها الحزب في الانتخابات السابقة، من أجل التسجيل، والمشاركة في الانتخابات.
وقال سلمان في حوار متلفز، إن “ظاهرة تعدد الأحزاب ليست بجديدة، بل أن العراق قد عانى منها منذ 2003 وحتى يومنا هذا، حيث نجد ذات الأحزاب والتيارات تتكرر في كل انتخابات، في حين لا يحصل المواطن على أي شيء يذكر”.
وأضاف، أن “الكتل الحقيقية التي تشكل الحكومة هي من 10 إلى 13 كتلة من أحزاب معروفة شيعية وسنية وكردية”، مشيرا إلى أن “حالة التشظي والأعداد المنفلتة من الأحزاب قد وصل إلى 390 حزبا”.
وتابع، أن “دول العالم قد رتبت أحزابها وفق قانون الأحزاب، لمنع مثل هكذا أعداد، فعلى سبيل المثال، فإن تركيا تشترط على الحزب للتسجيل في الانتخابات أن يكون حاصلا على 40 إلى 50 ألف صوت انتخابي في الانتخابات السابقة لكي يسمح له بالمنافسة، وخوض الانتخابات المقبلة”.
وشدد النائب السابق، على ضرورة “تعديل قانون الأحزاب بما ينسجم مع دول العالم، وذلك للخروج من هذه الفوضى المربكة”، واصفا “ما يجري في العراق هو انفلات سياسي وليس تعبيرا على الديمقراطية”.
وتابع “في حال لم يتم تعديل قانون الانتخابات، فستكرر ذات الوجوه والتيارات، خلال الدورات الأربعة أو الخمسة المقبلة”.
وأعلن المركز الاستراتيجي، لحقوق الإنسان، في 10 آيار الجاري، أن عدد الأحزاب المسجلة رسميا في العراق تجاوز 333 حزبا، في حين تجاوز عدد الأحزاب قيد التأسيس 60 حزبا، وهو ما يفوق عدد أعضاء البرلمان البالغ 329 نائباً.
وأكدت مفوضية الانتخابات العراقية من جانبها، أن القانون الحالي لا يربط عدد الأحزاب بعدد المقاعد البرلمانية، وأن لكل حزب الحق بترشيح عدد من الأفراد يعادل ضعف عدد المقاعد، ما يعني أن وفرة الأحزاب لا تتناقض مع الإطار القانوني، لكنها تثير قلقا سياسيا واسعا.
واستند الرد على هذه الظاهرة، إلى دعوات متكررة من خبراء قانونيين وسياسيين بضرورة تعديل قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، خصوصا بعد مرور عشر سنوات على إقراره.
ودعا حازم الرديني، نائب رئيس المركز، مؤخرا إلى “فرض شروط أكثر صرامة، تتضمن سحب إجازة الحزب الذي لا يشارك في عمليتين انتخابيتين متتاليتين، وتشديد الرقابة على الخطاب السياسي للأحزاب، التي تميل إلى التحريض على المقاطعة، أو بث روح الانقسام”.
واشتدت المخاوف من أن يتحول المشهد الحزبي في العراق، إلى مساحة لتسجيل الكيانات الورقية أو المتاجرة بالمشاركة الانتخابية، خصوصا في ظل تزايد التحالفات الجديدة التي بلغ عددها 66 تحالفا حتى آيار مايو الجاري، بينها ستة فقط قامت بتحديث بياناتها.
ورأى المحلل السياسي، محمد علي الحكيم، في تصريح سابق، أن “كثرة الأحزاب السياسية في العراق سببه القوى السياسية المتنفذة التي عملت على تأسيس قوى ناشئة رديفة لها، وهذه القوى بالتأكيد تعمل على تشتيت أي أصوات تريد منافسة حقيقية لهذه القوى التقليدية في أي انتخابات تجري”.
وأشار إلى أن “نسبة كبيرة تقدر بـ70 بالمئة من الأحزاب الناشئة والجديدة هي واجهات لجهات وشخصيات سياسية متنفذة، وهذا الأمر أصبح مكشوفا لدى الجميع، ولهذا نرى أن هناك تزايدا كبيرا في أعداد الأحزاب المسجلة بشكل رسمي لدى دائرة الأحزاب، وأكيد هذه الأحزاب لها أجندات تنفذها لصالح تلك القوى والشخصيات الداعمة لها”.
يشار إلى أن العديد من الأحزاب السياسية التقليدية، انقسمت إلى كيانات عدة، بعضها بسبب خلافات داخلية، وأخرى تم تشكيلها من الأحزاب الرئيسة بعد أن بدأت نسبة إقبال المقترعين على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بالتراجع خلال السنوات الأخيرة، في محاولة من الأحزاب لتقديم واجهات بديلة لها.
وقال رئيس تحالف الحكمة الوطني، عمار الحكيم، في 15 آذار الماضي، في بيان، إن “وجود أكثر من 180 حزبا سياسيا في العراق حالة غير صحية، ويجب دمج بعضها ببعض فهذه حالة غير صحية”، مضيفا في الوقت نفسه أنه “يجب احترام الخصوصيات وحرية التعبير، شرط أن لا تؤدي إلى كسر الآخرين والتنكيل بهم”.
وتجدر الإشارة إلى أن تيار الحكمة، انبثق من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والذي تأسس مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في طهران، وكان له جناح عسكري تحت اسم “فيلق بدر” بقيادة هادي العامري، قبل أن يتحول اسمها إلى منظمة بدر وانضمام العامري قبيل انتخابات 2010 إلى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وفي تموز 2017 أعلن عمار الحكيم، انشقاقه مع المجلس الأعلى وتأسيس تيار الحكمة الوطني.
وكان مجلس النواب أقر في عام 2015 قانون الأحزاب، وهو أول قانون في العراق بعد 2003، وتضمن بنودا تقنن تمويل الأحزاب وموارده وطريقة إنفاقها، وورد في بنود تمويل الأحزاب ما يلي: مصادر تمويل كل حزب تشتمل على اشتراكات أعضائه، التبرعات والمنح الداخلية، عوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون، الإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون، عند استلام التبرع، يتم التحقق من هوية المتبرع وتسجل في سجل التبرعات الخاص بالحزب، يتم نشر قائمة أسماء المتبرعين في جريدة الحزب، يمنع التبرع للحزب بالسلع المادية أو المبالغ النقدية المعدة أصلا لكسب منفعة غير مشروعة للحزب أو للمتبرع، لا يجوز للحزب السياسي أن يتسلم التبرعات من المؤسسات والشركات العامة الممولة ذاتيا، من الشركات التجارية والمصرفية التي يكون جزء من رأسمالها من الدولة.
أقرأ ايضاً
- "التواجد التركي" في العراق.. تشكيك في النوايا ولا بوادر للانسحاب
- امتعاض في العراق.. تبرع ومساعدات خارجية رغم الفقر والأزمة المالية
- في العراق.. عمال النظافة يعتمدون على دعم الناس للاستمرار