- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اتفاقية خور عبد الله.. هل يُسهم الطعن الحكومي في التفريط بالسيادة؟

بقلم: علي مبارك
لا تزال قضية اتفاقية خور عبد الله تمثّل واحدة من أبرز الملفات المثيرة للجدل في المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد أن عادت إلى الواجهة من جديد عقب قرار المحكمة الاتحادية العليا في سبتمبر 2023، القاضي بعدم دستورية قانون التصديق على الاتفاقية، وهو ما أثار ردود فعل متباينة داخل العراق وخارجه.
الاتفاقية المشار إليها تمثلت في القانون رقم (42) لسنة 2013، بعنوان: “قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله“. وقد تم توقيع هذه الاتفاقية في عهد حكومة نوري المالكي (الولاية الثانية)، وكان هادي العامري يشغل حينها منصب وزير النقل، ووقّع الاتفاق عن الجانب العراقي. أما عن الجانب الكويتي، فمثّله سالم الأذينة، وزير المواصلات آنذاك. رابط نص القانون الرسمي.
في 4 أيلول/سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمًا يقضي بعدم دستورية القانون، مستندةً إلى أن التصديق على الاتفاقية لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب، كما تنص المادة (61) من الدستور العراقي. وفي أعقاب ذلك، حاولت رئاستا الجمهورية والحكومة الطعن في القرار، ما عكس حالة ارتباك واضحة في مؤسسات الدولة إزاء هذا الملف.
هنا تظهر نقطة حساسة تتعلق بموقف الحكومة العراقية من القرار. فبينما كان بإمكان الحكومة أن تدعم قرار المحكمة الاتحادية باعتباره خطوة لحماية سيادة العراق، فإن الطعن في القرار يُعطي انطباعًا لدى الجمهور بأنها راغبة في التنازل أو التفريط في سيادة العراق على خور عبد الله. إذا كان التوقيع على الاتفاقية قد تم في الماضي وكان هناك أخطاء أو غموض في الظروف التي أحاطت بها، فإن موقف الحكومة الحالي يبدو وكأنه محاولة للاستمرار في اتفاقية يراها البعض “مذلة”، بدلاً من أن تشكر المحكمة الاتحادية على بطلان الاتفاقية بشكل دستوري.
القرار الذي أقرته المحكمة كان مدعومًا بمادة دستورية واضحة، وكان من الأجدر بالحكومة العراقية أن تعترف بقرار المحكمة، مما يسهم في رفع الحرج عنها ويوفر لها الفرصة لتعزيز موقفها في الحفاظ على سيادة العراق. بدلاً من ذلك، يبدو أن الحكومة تصر على الإبقاء على الاتفاقية، مما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية في التعامل مع هذا الملف الحسّاس.
التناقض السياسي: مزايدات إعلامية أم موقف حقيقي؟
في الوقت الحالي، نشهد تصاعداً في رفض العديد من نواب الإطار التنسيقي في الإعلام للاتفاقية الخاصة بـ خور عبد الله، حيث يتحدثون بصوت عالٍ ويرفضونها بشكل قاطع. ولكن الحقيقة أن هذه الاتفاقية تم توقيعها في حكومة نوري المالكي ووقع عليها هادي العامري، وهما من أبرز الشخصيات في قيادة وتشكيل الإطار التنسيقي الحالي. وهذا يثير تساؤلات حول السبب الذي يدفع أعضاء الإطار التنسيقي الحاليين إلى رفض اتفاقية تم توقيعها من قبل شخصيات هي جزء من قيادة الإطار الحالي.
إلى جانب ذلك، يأتي الطعن في قرار المحكمة الاتحادية من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي ينتمي أيضاً إلى الإطار التنسيقي. وبما أن الحكومة الحالية هي حكومة الإطار التنسيقي، فإن هذا الموقف يتناقض مع تصريحات بعض النواب. قد يكون هذا التباين نتيجة لمزايدات إعلامية ودعاية انتخابية مجانية تتزامن مع قرب موعد الانتخابات، حيث يسعى بعض السياسيين إلى تصعيد مواقفهم أمام الشارع العراقي لإظهار أنفسهم كمدافعين عن السيادة الوطنية، حتى وإن كانوا جزءًا من العملية السياسية التي أنتجت هذه الاتفاقية في البداية.
الأسئلة هنا هي: هل النواب الذين يرفضون الاتفاقية اليوم هم جزء من الإطار التنسيقي حقاً، أم أنهم يزايدون إعلامياً لتحسين مواقعهم السياسية في ظل الانتخابات المقبلة؟ أم أن هناك فجوة حقيقية داخل الإطار التنسيقي حول هذا الملف، حيث يعبر البعض عن مواقف أكثر صراحة في الاعتراض على الاتفاقيات التي تم توقيعها في فترات سابقة؟
ربط الطعن بالقمة العربية
في سياق توقيت الطعن في قرار المحكمة، يتعين أيضاً الإشارة إلى ارتباط هذا الملف بالقمة العربية المقرر عقدها في بغداد في الأيام المقبلة. وفقًا للأخبار المتداولة، هناك شروط وضعتها الكويت وبعض الدول الخليجية على العراق، تتضمن إتمام الاتفاقية كشرط أساسي لمشاركتها في القمة. وقد أكّد هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، في منشور على منصة إكس أن قرار المحكمة الاتحادية بتأجيل البت في قرارها بشأن بطلان الاتفاقية إلى 22 أيار/مايو 2025، أي بعد انعقاد القمة العربية في بغداد، قد يترتب عليه تداعيات كبيرة على مستوى الحضور والتمثيل الخليجي والعربي في القمة. رابط المنشور.
هذا التوقيت يطرح سؤالًا حول ما إذا كان الطعن في قرار المحكمة يشكل استجابة لضغوط خارجية، أم أنه مناورة سياسية تهدف إلى الحصول على دعم إقليمي خلال القمة على حساب سيادة العراق على خور عبد الله. ما يزال هذا الملف مفتوحاً على العديد من الاحتمالات التي تتداخل فيها الاعتبارات السياسية الداخلية مع المطالبات الإقليمية.
أقرأ ايضاً
- خور عبد الله.. عقدة تاريخية تتجدد بين العراق والكويت
- قطبا السلطة التنفيذية والتنازل عن خور عبد الله !
- كيف زحفت الحدود الكويتية باتجاه العراق في خور عبد الله