- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر
حجم النص

بقلم:حسن الهاشمي
موت الفجأة هو الموت الذي يأتي بغتة دون مقدمات أو مرض طويل، فيموت الإنسان فجأة وهو في صحة ظاهرية، ودون أن يُمهل للاستعداد أو التوبة، وهو دق لطبول الاستعداد والتمهيد لاستقبال هذا الضيف الذي ربما يكون ثقيلا للبعض ونسمة منعشة للبعض الآخر، لعلي وأنا أمخر عباب الحياة الصاخبة وما فيها من ملهيات ومغريات، أتذكر هذا الزائر الذي يأتي لا محالة وعلى حين غرة؛ لئلا يزورني وأنا منغمس في ارتكاب المحذورات وقد عبّدت طريقا مخيفا يودي بي الى المهلكات، هذا ما نبّه اليه الشاعر بقوله:
يا من بدنياه أشتغل * * * قد غرّه طول الأمل
أو لم يزل في غفلة * * * حتى دنا منه الأجل
الموت يأتي بغتة * * * والقبر صندوق العمل
اصبر على أهوالها * * * لا موت إلا بالأجل
في اللغة "فَجْأَة" من الفعل "فجأ"، أي جاء بغتة وبلا توقع، ويُعرف بأنه موت مباغت، يُصيب الإنسان دون إنذار سابق، كشخص نائم أو في عمله أو في صحة جيدة، ثم يُتوفى فجأة بسبب سكتة قلبية أو حادث، دون أن يُعاني من مرض طويل.
موت الفجأة اختبار وابتلاء، وقد يكون رحمة لمن استعد له أو حسرة لمن غفل عنه، بحسب حال الإنسان الروحي والإيماني عند وفاته، والانسان هو الذي يحدد ان موت الفجأة إذا نزل بساحته هل هو خير أم شر؟ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر) مكارم الأخلاق للطبرسي: ٢ / ٣٢٧ / ٢٦٥٦. إذا كان الإنسان مستعدا ومتقربا إلى الله، فإن موت الفجأة يكون رحمة وراحة له، أما إذا كان غافلا، فهو حسرة وأخذ مباغت دون توبة أو إصلاح.
لماذا يُبتلى الناس بموت الفجأة؟ نحن نرى كيف يُصبح المرء في أهله ويُمسي في قبره، الموت أمر حتمي يطرق أبوابنا جميعا فانه يعصف بنا سواء أكان موت فجأة أو موت مرض أو موت بعد عمر مديد، "كل نفس ذائقة الموت" لا يحيد عن هذه القاعدة الحتمية موجود سواء أكان في السماء أو في الأرض، واذا اذعن الانسان بهذه الحتمية، واذا ايقن ان موت الفجأة لا يمهل الانسان لكي يصلح أوضاعه، عليه ان يتأكد بأن الحياة دار امتحان وابتلاء، عليه ان يستعد للدخول في قاعة الامتحان متى ما دق جرس الموت، والحال ان هذا الجرس قد أطرق مسامعنا مرارا عديدة بموت الجد والأب والأم والجيران والصديق وربما الفتى اليافع والفتاة الشابة، أليست هذه الأجراس التي تقرع أسماعنا جديرة بأخذ العبرة والاستعداد للموت الحتمي أو موت الفجأة، الموت يداهمنا من كل حدب وصوب ولكن القليل منا يعتبر ويتأهب للموت ويستعد لامتصاص أهواله وتبعاته، عن الإمام علي (ع): (ما أكثر العِبر وأقلّ الاعتبار) نهج البلاغة: الخطبة ١٠٦، والحكمة ٢٩٧.
احد اهم مرتكزات موت الفجأة هو تنبيه الإنسان ألا يغفل، وأن يكون دائم الاستعداد للقاء الله، وأن يتحلى بمكارم الأخلاق، وأن يتعامل مع الأسرة والمجتمع بوجه طلق؛ لأن حسن الخلق هو الدخول الى رحمة الله تعالى من أوسع أبوابها، وأن يتق الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة؛ فالتقوى حصن المؤمن من الانزلاق في المعاصي والمفاسد، وأن يخدم الناس ولاسيما الطبقات المحرومة؛ لإن خدمة المجتمع فيها فائدة عامة، والإسلام يقدم المنافع العامة على الخاصة، لذا لا أبالغ حينما أقول ان خدمة الإنسان لأخيه أفضل من عامة الصلاة والصيام وتلاوة القرآن الكريم بكرةً وعشيا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من قضى لمؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة أدناهن الجنة) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - ص ٧٠١.
أهل البيت (ع) يدعوننا إلى الاستعداد الدائم للموت وخاصة المفاجئ منه، لأنه لا أحد يعلم متى يُقبض، فالمستعد للموت لا يبالي به سواء نزل به موت حتمي أو مفاجئ، وموت الفجأة ليس شرًّا مطلقًا، بل يتبع حال الميت، نعم إنه شر لمن لم يستعد له واحتطب الموبقات على ظهره، ولكنه خير لمن استعد له واحتطب الحسنات على ظهره، والانسان بإرادته وعمله وما قدّمه في حياته يستطيع ان يجعل من موت الفجأة شر مطلق بأعماله السيئة، أو خير مطلق بأعماله الحسنة.
الموت المفاجئ ليس له معنى واحد يسري على الجميع، بل يختلف أثره باختلاف حال الميت، فانه تارة يكون راحة للمؤمن، لأن المؤمن غالبا ما يكون مستعدا للقاء الله، ويعيش حياته بتوبة واستقامة، فالموت المفاجئ يُجنّبه ألم المرض، والاحتضار الطويل، والمحن، هو بالنسبة اليه ربما انتقال سريع إلى الراحة والنعيم الدائم.
أما الفاجر فان موت الفجأة تأخذه الى مصيره المجهول غير مأسوف عليه بما احتطبه من ذنوب ومظالم ومفاسد على عاتقه وحينئذ تكون وبالا عليه حينما يُؤخذ فجأة وهو في غفلة، أو معصية، دون توبة أو استعداد، فيكون موته حسرة وألما؛ لأنه يُؤخذ من الدنيا بلا رجعة، وانه يُواجه العذاب مباشرة، بما كسبت يديه من جرائم ومآثم وموبقات، وعند مداهمة الموت فان الحزن والندم والأسف لا يُجدي نفعا بعد فوات الأوان، فالموت ليس مخيفا بحد ذاته، بل حال القلب عند الموت هو الفيصل، فكن مستعدا دائما، لئلا يُصبح موتك حسرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (موت الفجأة راحة للمؤمن، وأخذة أسف للفاجر) كنز العمال للمتقي الهندي: ٤٢٧٠٢.
موت الفجأة ربما يكون نعمة للمؤمن من باب ان يوصله الى تعجيل ثواب، وربما يكون نعمة أيضا للكافر من باب تقليل عقاب، ولكنه يبقى الفيصل الوحيد لإعطاء كل ذي حق حقه في نيل الرضا الإلهي من عدمه، وهذا ما نجده في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (موت الفجأة تخفيف على المؤمنين، ومسخطة على الكافرين) كنز العمال للمتقي الهندي: ٤٢٧٧٥. هو بيان لحكمة إلهية في وقوع الموت المفاجئ، وتفسير لاختلاف أثره بين المؤمن والكافر.
"تخفيف على المؤمنين" لأن المؤمن قد تعب في الدنيا بالطاعة والصبر والابتلاء، فيأتيه الموت المفاجئ كتكريم ورحمة، فيُعفى من طول المرض أو ألم الاحتضار، وقد يكون علامة رضا من الله، يُعجّل له بالراحة والنعيم.
"مسخطة على الكافرين" لأنهم يُؤخذون بغتة وهم غافلون أو على معصية، دون توبة أو إصلاح، فالموت المفاجئ يكون غضبا إلهيا عليهم، ودخولا مباشرا إلى العذاب، والمسخطة مما يُوجب السخط الإلهي أو يدل عليه، فموت الفجأة ليس خيرا أو شرّا بذاته، بل ميزانه في حال الإنسان، فهو رحمة للمستعد، وعقوبة للغافل.
وأحلى من جسّد تعامله مع موت الفجأة الإمام علي (عليه السلام): (والله ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار) نهج البلاغة: الكتاب ٢٣. هذا القول من كلمات أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) عند احتضاره بعد ضربة ابن ملجم، ويُظهر قمة التسليم والرضا بقضاء الله، مع عمق روحي وفهم إيماني رفيع للموت.
"والله ما فجأني من الموت وارد كرهته" أي: لم يفاجئني الموت بشيء أكرهه، بل كنت مستعدا له، فلم يكن صادما ولا مكروها لدي، وكيف يكون مكروها له وهو القائل بعد الضربة على مفرقه الشريف: "فزت ورب الكعبة".
"ولا طالع أنكرته" أي: لم يظهر لي أمر أنكرته أو استغربته، فالموت كان متوقّعا، ولم يكن غريبا عني، كيف ينكر الموت وهو قسيم الجنة والنار، وهو الحق المحض يدور معه حيثما دار، وهو الساقي على الحوض، وشفيع الأمة يوم الجزاء؟! ومثل علي عليه السلام وبشهادة الرسول الأعظم فان حبّه ايمان وبغضه كفر ونفاق، لا يمكن له أن ينكر الموت، بل يحذّر العباد من مغبة عدم الاستعداد له، ويدعوهم لاستقباله برحابة صدر، وتوخي تداعياته القاصمة.
"وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد" تشبيه بليغ: كـ"قارب ورد": أي قارب بلغ الماء العذب، أي أنا وصلت إلى ما كنت أرجوه، و"طالب وجد": أي من كان يبحث عن شيء فوجده، إشارة إلى أن الموت بالنسبة له لقاء محبوب لا مفاجأة مخيفة.
"وما عند الله خيرٌ للأبرار" تأكيد إيماني: ما عند الله من الرحمة، والمغفرة، والنعيم، هو الأفضل والأبقى للمؤمنين، فالإمام علي (ع) يعبّر عن طمأنينة عظيمة عند الموت، ورضا كامل بما كتبه الله له، بل ويراه غاية سعى إليها ووجدها، وهكذا فان الامام علي عليه السلام قد حوّل موت الفجأة الى سعادة أبدية وراحة سرمدية، وهو نبراس ومتراس لنا جميعا للوصول الى درجة الابرار ولو بمراتبه الدانية.
أقرأ ايضاً
- حين تتحول الطرق إلى مسرح للموت الجماعي
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- تصرفات المريض.. مرض الموت