- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في حضرة الامام الحسين (ع).. حين تتكلم الدولة بلسان الضمير

بقلم: د.عقيل الخزعلي - رئيس مجلس التنميّة العراقي
أزماتٌ؛ (متراكمة متراكبة مترابطة)، ومعاييرٌ؛ (مضطربة مشوّهة ارتجالية)، تذوب فيها الحقائق في بحر المصالح، فَتَجيئُ كلمة ممثل المرجعية الدينية العليا، مُتشخِصَةً بالشيخ عبد المهدي الكربلائي، من على منبر العتبة الحسينية في يوم الخميس (26 حزيران 2025) الموافق لليلة الأول من شهر محرم الحرام، لتكون أشبه بـ(خطاب الاستنهاض الطارئ)؛ كلمةٌ تؤمنُ بأن [النصح الصادق] أرفع من سلطان، وأنَّ [بوصلة الإصلاح] أعمق من مجرد تبديل الوجوه.
بَزَغتِ الكلمةُ كـ(بيان افتتاحي لموسم عاشورائي)، وكـ(وثيقة ذات دلالات سياسية وإصلاحية وأمنية)، تعكس قلقاً سيادياً مشروعاً، وتطلق جرس إنذار وطني لمن لم يعد يسمعُ سوى صخب الشكليات.
شُحِنَتِ الكلمةُ بالاستذكار الخالد لفاجعة الطف، وتحوّلت إلى منصة نقدٍ حادٍّ للمشهد السياسي العام والخاص.
تحدّث الشيخُ الكربلائي عن الشعائر بوصفها وسيلةً لإحياء جوهر الدين بمقاصده الأخلاقية والقيمية عبر الاستذكار الواعي الممزوج بالألم العاطفي النبيل، وذكّر بأن الإمام الحسين عليه السلام خرج من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهل بقي لهذا المفهوم من حضورٍ في سلوك المتصدّين؟
هل غدا المنكر محصنًا، والمعروف مستضعفًا في زمن (تدوير الإخفاقات) ومنطق التخادم الانتهازي؟
{الشعب العراقي ليس بمنأى عن تداعيات الصراع القائم في المنطقة}… عبارة واحدة قالها الشيخ الكربلائي، لكنها تختصر حجم القلق السيادي الكامن في عقل الدولة . فالصراعات الجيوسياسية في المنطقة الإقليمية باتت شبحًا يحوم فوق الساحات العراقية والشعوب الأخرى، وتهديدًا مباشرًا للسلم المجتمعي القلق.
لذلك؛ وجهت الكلمة تحذيراً استباقياً لضرورة التحصين الداخلي: {وعيٌ وطني، ومناعة مؤسساتية، وحكمة نُخب، وإصلاح حقيقي يسبق الانفجار}.
لقد أشارَ الشيخُ الكربلائي بوضوح: {العراقيون يشعرون بمرارة الإخفاقات الكبيرة والسلبيات المتراكمة}، وهو تصريح لا يُقال صدفةً من هذا المنبر، انه موقف نقدي صارم تجاه المسار والمسيرة والشخوص والأدوات والمناهج والوسائل.
ومع ذلك، لم تُغلق الكلمة أبواب الأمل، فلقد فتحت نوافذ جديدة للإصلاح، مشروطة بـ: [ الابتعاد عن المحاصصة، منع التدخلات الخارجية، اعتماد الكفاءة والنزاهة، حصر السلاح بيد الدولة، وتفعيل سلطة القانون].
جاءت جملة؛ (ان على من بيدهم الأمور ان يتقوا الله ويحكموا ضمائرهم ويراعوا في قراراتهم وتصرفاتهم مصلحة شعبهم، وبلدهم، والمنطقة كلها، لان مصالح شعوبها مترابطة ومتشابكة) كأقصر بيان أخلاقي سياسي، فهل يتّسع قلب القرار السياسي في جميع المنطقة الإقليمية لهذه النصيحة التي تتفوّق على ألف قانونٍ ظالم؟
لقد حملت الكلمة في طيّاتها مفارقة جليلة؛(دينية في شكلها، وطنية في جوهرها، سياسية في مراميها، إصلاحية في مقصدها).
كلمةٌ ليست ضد الدولة، لكنها صرخةٌ لأجل قيام دُولٍ تستحق أن تُدعى (أوطانًا).
شقشقةٌ مسؤولةٌ عندما تصدح وتقول؛ [ما لم يسعَ العراقيون لبناء بلدهم على أسس صحيحة، فلن يكون مستقبلهم أفضل من حاضرهم].
ولعلَّ هذا هو الفارق بين خطابٍ يُلقى… وضميرٍ يُنقذ !.
أقرأ ايضاً
- مشروع الإصلاح الحسيني
- حين أشرق وجه الدعاء لقاء في حضرة السيد السيستاني
- الخطاب السياسي بين الكسب الانتخابي ومنطق الدولة