- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العدوان الصهيوني على إيران: انتهاك صارخ للقانون الدولي وتهديد للأمن الإقليمي والدولي
حجم النص

بقلم:د. مظفر قاسم حسين
• مقدمة:
في 13 حزيران/يونيو 2025، نفّذ الكيان الصهيوني هجومًا عسكريًا واسع النطاق على الأراضي الإيرانية استهدف منشآت نووية، ومقار عسكرية، ومراكز مدنية في طهران ونتنز وإصفهان ومناطق أخرى. لم يكن الهجوم مفاجئًا من الناحية الاستراتيجية، لكنه كان صادمًا في مداه وتوقيته وجرأته على تحدي قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة دون رادع يُذكر من "المجتمع الدولي"، ما شكّل تصعيدًا خطيرًا في النزاعات الإقليمية بالشرق الأوسط. هذا العدوان لا يمثل فقط تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الإقليمي، بل يخرق بشكل واضح وصارخ قواعد القانون الدولي، ويهدد الأسس التي يقوم عليها النظام العالمي في تنظيم العلاقات بين الدول.
• الإطار القانوني الدولي:
يُعد ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادة 2(4)، حجر الزاوية في حفظ السلم والأمن الدوليين، إذ ينص على "امتناع جميع أعضاء الهيئة عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". هذا النص القانوني يمنع الاعتداءات العسكرية الأحادية التي لم تُجز من قبل مجلس الأمن أو لم تكن دفاعًا مشروعًا في مواجهة هجوم مسلح.
ومن هذا المنطلق فإنّ الضربات الجوية التي قام بها الكيان على أراضٍ ذات سيادة، دون تفويض من مجلس الأمن أو هجوم مسبق من إيران، تشكل انتهاكًا صريحًا لهذا النص الأساسي، وتفتح الباب أمام شريعة الغاب الدولية، حيث يُمنح الحق لمن هم أقوى بشن الحروب متى شاءوا، تحت ذرائع أمنية فضفاضة، ويبدو واضحًا وجلياً بأن المستهدف الحقيقي هو النظام السياسي في إيران والذي يعده الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على أنّه أخطر من أي برنامج نووي ويجب تغييره حسب أجندتهم.
وبالرجوع إلى المادة 51 من الميثاق، التي تعطي حق الدفاع المشروع للدول في حال تعرضها لهجوم مسلح، فإنّ ما قام به الكيان الصهيوني لا يمكن تصنيفه كحق دفاع ذاتي، إذ لم يُثبت قيام إيران بأيّ هجوم مسلح مباشر على الكيان قبل هذا العدوان.
من جهة أخرى، تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية على حماية المدنيين وعدم استهداف المنشآت المدنية خلال النزاعات المسلحة. إلاّ أنّ التقارير من إيران وكذلك الكيان ذاته تشير إلى استهداف مناطق مدنية وبنية تحتية حيوية، ما يرقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
• الوقائع الميدانية والتحليل:
زعم ويزعم قادة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية أنّ العمليات تهدف إلى "منع إيران من امتلاك سلاح نووي"، إلا أنّ هذا التبرير لا يصمد أمام الفحص القانوني والعقلاني. إيران طرف في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وتخضع منشآتها لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). وحتى اللحظة، لم تُصدر أيُّ جهة أممية تقريرًا يؤكد أنّ طهران باتت على عتبة إنتاج سلاح نووي فعلي. وتؤكد البيانات المتاحة أنّ الكيان الصهيوني استهدف منشآت مدنية واستراتيجية داخل الأراضي الإيرانية، مستخدماً مبررات تتعلق ببرنامج إيران النووي المزعوم. ومن الجدير بالذكر أنّ إيران خضعت لتفتيش ومراقبة مستمرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم تثبت تقاريرها وجود تطوير لسلاح نووي.
من ناحية أخرى، فإنّ الكيان الصهيوني هو الوحيد في الشرق الأوسط الذي لم يوقّع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ويمتلك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية، ما يطرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الأطراف المختلفة وأولها أليس من المفارقة أنّ من يمتلك القنبلة النووية يضرب من لا يمتلكها، ويبرر ذلك بأنه "يحافظ على الأمن"؟
• الردود الدولية وازدواجية المعايير:
لقد أثار هذا العدوان صمتًا دوليًا مريبًا، خاصة من قبل القوى الكبرى التي غالبًا ما تستخدم ميثاق الأمم المتحدة لحماية مصالحها الجيوسياسية. هذا الصمت يشجع على استمرار انتهاكات القانون الدولي ويعزز من منطق القوة على حساب القانون.
إنّ الصمت الغربي، بل وأحيانًا الدعم الضمني، والدعم الأميركي لعدوان الكيان الصهيوني، يعرّي الوجه الحقيقي لسياسات القوى الكبرى. فبينما تُفرض العقوبات وتُشن الحروب على دول باسم حقوق الإنسان، يُكافأ الكيان الصهيوني على عدوانه العسكري، ويُغض الطرف عن انتهاكاته المتكررة لكل القوانين والمعاهدات الدولية.
ينبغي على المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن الدولي، أن يتحمل مسؤولياته في وقف هذا التصعيد والعدوان، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة ضد مرتكبي الجرائم الدولية.
• الخاتمة: ضرورة استعادة النظام الدولي:
لا يُهدد هذا العدوان إيران وحدها، بل يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، ويفتح أبواب الاحتمالات النووية والردود غير التقليدية. إنّ منطقة الشرق الأوسط، المثقلة بالنزاعات والاحتلالات، لا تتحمل حربًا جديدة يُشعلها من يملك القوة العسكرية بلا قيود ولا محاسبة.
إنّ ما قام به الكيان في 13 يونيو 2025 ليس مجرد عملية عسكرية، بل جريمة دولية بكل المقاييس، تقوّض القانون الدولي وتهدد النظام العالمي برمّته. وإنّ صمت المجتمع الدولي، أو تبنّيه لرواية القوة المحتلة، يعني موت الضمير الأممي وانهيار منظومة العدالة الدولية.
على الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وكل المدافعين عن القانون، أن يتحركوا لإدانة هذا العدوان ومحاكمة المسؤولين عنه، وإلا فإنّ كل القوانين والمعاهدات التي كُتبت بعد الحرب العالمية الثانية ستُصبح مجرد حبر على ورق، بانتظار المعتدي الأقوى ليحرقها.
إنّ عدوان الكيان على إيران ليس مجرد نزاع عسكري إقليمي، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي بالقانون الدولي وحفظ السلم العالمي. إنّ عدم اتخاذ إجراءات حاسمة وفاعلة ضد هذا العدوان يُرسّخ الانتهاكات ويهدد استقرار المنطقة والعالم.
من الضروري أن تدعو الدول المنصفة إلى فتح تحقيق دولي مستقل عاجل، ومحاسبة المسؤولين، وضمان احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، تعزيزًا لقواعد القانون الدولي وتحقيقًا للأمن والسلام المستدامين.
أستاذ العلوم السياسية والإعلام | جامعة ويستمنستر
متخصص في العلاقات الدولية والأمن الدولي والسياسة الخارجية الأميركية
أقرأ ايضاً
- التأثير الاقتصادي لقصف "الكيان" على ايران
- فتوى الجهاد الكفائي وآثارها الإصلاحية على الأفراد
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على بدء الملاحقات الجنائية.