- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حين تتحول الطرق إلى مسرح للموت الجماعي

بقلم: ابراهيم قاسم
تخيل أن عدّاد السرعة في السيارة يتصل مباشرة بعدّاد الموت السريع؛ وكلما ضغط السائق على دواسة السرعة، زادت احتمالية وقوع الكارثة واقترب شبح النهاية، كم هو مؤلم أن نفقد أرواحاً غالية بسبب السرعة المفرطة التي لا تكاد تُمهل أحداً، فتتحول الحياة إلى مشاهد حزينة من الفقد والدمار، وليس هناك مشهد أشد إيلاماً من تلك الحوادث التي تجعل الطرق مسرحاً للموت الجماعي، حيث تتحول الحياة إلى أرقام وإحصائيات عن ضحايا فقدوا مستقبلهم بسبب لحظة تهور.
لماذا لا تُخيفنا حوادث السير كفاية؟
الخوف الذي زرعته جائحة كورونا في النفوس لم يكن من الفيروس بحد ذاته، بل من نهاياته المأساوية، كذلك الحال مع الأمراض المزمنة التي تؤرق الإنسان بنهاياتها المفجعة، ولكن عندما نُواجه أرقام ضحايا حوادث السير، فإننا نكتفي بالأسى العابر ونادراً ما نُدرك خطورة هذه الكوارث التي تُزهق الأرواح يومياً، فالغريب بالأمر هو:
- لماذا لا تثير حوادث السير نفس الرهبة؟
- لماذا تبدو الأرواح التي تُزهق على الطرق أقل إلحاحاً في وعينا؟
- هل لأنها أصبحت جزءاً مألوفاً من يومياتنا، أم لأننا نعتقد أنها لا تمسنا شخصياً؟
معادلة بسيطة لا تقبل التهاون: السرعة = الموت
- المسافة بين أقصى شمال العراق في مدينة زاخو وأقصى جنوبه في مدينة الفاو تبلغ حوالي 1100 كيلومتر.
- عند القيادة بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، يستغرق السائق نحو 11 ساعة لقطع المسافة.
- بينما عند القيادة بسرعة 180 كيلومتراً في الساعة، تقل المدة إلى 7 ساعات.
- الفارق الزمني الذي يبدو مغرياً، هل يُقارن بالأخطار التي تُرافق السرعة الزائدة مثل انعدام السيطرة وزيادة احتمالات الاصطدام والنهايات المأساوية؟ وهل يستحق توفير أربع ساعات تعريض الأرواح للخطر والموت؟
الإحصاءات المروّعة تُظهر أن السائقين هم المسؤولون عن غالبية الحوادث المرورية، سواء نتيجة السرعة الزائدة، أو التجاوز الخاطئ، أو استخدام الهاتف أثناء القيادة، أو إهمال إجراءات السلامة.
أسباب الحوادث ومثلث الكارثة والدمار
إن حوادث السير ليست مجرد مصادفات، بل نتيجة سلسلة من العوامل المتداخلة التي تشمل:
1. السائق: القيادة المتهورة، التجاوز الخاطئ (خاصة من الجهة اليمنى)، عدم الامتثال للإشارات المرورية، السرعة المفرطة، استخدام الهاتف أثناء القيادة، الإهمال في ارتداء حزام الأمان أو الانتباه لإشارات المرور.
2.المركبة: يتحمل السائق أيضاً جزءاً من مشكلة غياب معايير السلامة لمركبته، فغياب الفحوصات الدورية وضعف تجهيز السيارات بوسائل السلامة الضرورية يُضاعف احتمالات وقوع الحوادث ويجعلها أدوات للموت المتنقل.
3.الطريق: تعاني العديد من الطرق في العراق من الإهمال، وغياب الصيانة، وافتقارها إلى معايير السلامة الأساسية مثل الإشارات الواضحة، مع نقص في السياج الأمني والكاميرات.
إصلاح الطرق لا يكفي لحل المشكلة
الحلول الحكومية ليست كافية إذا لم يُصاحبها التزام طوعي من السائقين بقواعد المرور، والأمر يحتاج إلى ثورة وعي تشمل التوعية المرورية عبر حملات مستمرة، خاصة بين فئة الشباب، فهي قادرة على زرع ثقافة احترام قوانين المرور، وعلى وسائل الإعلام والمدارس والجامعات أن تأخذ دورها في توجيه الأفراد لاحترام قوانين السير، وتذكيرهم بأن حوادث السير ليست مجرد أرقام تُسجل في دفاتر الإحصائيات، بل هي معاناة إنسانية تمتد آثارها لتشمل الأسر والمجتمع عبر الخسائر البشرية التي تُزهق مئات الأرواح سنوياً، وتخلف العديد من المصابين الذين يعانون من إعاقات دائمة، بالإضافة إلى الاستنزاف الكبير للموارد.
الدعوة إلى القيادة الهادئة هي دعوة للحياة
إن قيادة السيارة ليست مجرد وسيلة تنقل، بل هي مسؤولية أخلاقية وقانونية، والسائق الذي يستهين بحياته عليه أن يتذكر أن هناك أرواحاً أخرى على الطرق لا تستحق أن تُصبح ضحايا تهوره، فلنجعل القيادة الهادئة والالتزام بقوانين المرور جزءاً من ثقافتنا اليومية.
وعلى السائق المحبط أو المتهور الذي يرى في السرعة حلاً لأزماته الشخصية، يجب أن يُدرك أن الحياة ليست ملكاً له وحده، والالتزام بقواعد المرور ليس مجرد واجب قانوني، بل هو مسؤولية أخلاقية تحفظ الأرواح وتمنع وقوع المآسي.
وفي نهاية المطاف، يبقى الأمل في وعي المجتمع كفيلاً بإعادة الطرقات لأمانها، ومنحنا فرصة للحياة بسلام بعيداً عن رعب الحوادث، عبر القيادة الهادئة واحترام الآخرين، ويمكننا تقليل هذا النزيف المستمر على طرقنا، ونمنح أنفسنا وأحباءنا فرصة للحياة بسلام وأمان.