
بقلم: منتصر صباح الحسناوي
البدايات لم تكن وهماً، كانت جهداً مؤسِّساً تعب فيه الأجداد وواجهوا به قسوة الطبيعة ونقص الأدوات وضيق الأفق.
صنعوا الممكن بالمحدود وابتكروا طرق العيش والتفكير والعمل، فبنوا أساساً صار العالم يعلو عليه اليوم ويستثمره بلا تردّد.
أما نحن فما زلنا نقف عند تلك البدايات، نُحسن النظر إليها ونُحاول ترميمها كأنّنا في سُبات لا نفيق منه.
لسنا في أزمة أدوات إنما في أزمة إدراك أو في واقع احداث نُعيد بها اختراع العجلة، لا لأنّنا نطوّرها ولكن لأنّنا لم نعد نرى ما بعدها بصورة واضحة.
نستهلك الوقت والموارد لنُعيد إنتاج أدوات قديمة بواجهات ملوّنة ونعتقد في لحظة سكون أنّنا “نبتكر” بينما العالم تجاوز هذه المرحلة إلى عالم آخر تماماً.
في قلب هذه المعضلة يقف “التعليم” بوصفه الجهاز العصبي لأي أمة، حين تتعطّل الإشارات فيه يصاب الجسد بالشلل.
تعليمنا اليوم قد يعاني من مشكلات في الإمكانات لكن هناك ايضاً اعادة لاختراع العجلة او محاولات التحديث عليها.
التحوّلات من حولنا ليست مجرّد تحديثات شكلية بقدر ما هي تغيّرات جوهرية تُعيد تشكيل العالم.
قد لا تكون المتغيرات واضحة للعيان بعد، وقد يبدو المشهد ساكناً أو تحت السيطرة، لكن الحقيقة مغايرة تماماً. إذا بقينا في دائرة السكون فالنهر الذي يفصلنا عن العالم سيتحوّل إلى محيط، والمحيط لا يُبنى عليه جسر، سنكون حينها خارج الإطار أشبه بعُزلة التاريخ، نُحرّك دواليب قديمة بينما قطارات المعرفة تمضي مسرعة.
لا يزال الطالب يُدرب على أنظمة تفكير بالأبيض والأسود في وقت تُدرّب فيه بعض الدول أبناءها على التفكير الخوارزمي والمهارات العابرة لا نزال نُعلّم أبناءنا تكرار التعاريف وتسطير الإجابات النموذجية ونُطالبهم أن يصنعوا مستقبلاً لا يُشبهها بينما يعيش العالم في واقع ثلاثي الأبعاد.
الطالب لدينا لا يقلّ عن غيره فهماً ولا قدرة لكن الواقع والنظام الذي يحتضنه أقل جرأة على أن يؤمن به، وما نُدرّسه اليوم سيتحوّل بعد سنوات إلى عبء، لا لأنه خطأ بل لأنه متأخّر عن وقته.
لن يصمد التعليم إن بقي معزولاً عن التغيير ولن تنجح مؤسساتنا إن واصلت تكرار الخطأ تحت عنوان “الخصوصية”.
العجلة صالحة لمن يُجيد قيادتها لا لمن يظلّ يرسمها على الورق، وكل لحظة نُضيّعها في إعادة ابتكار المُنجَز هي لحظة نخسر بها موقعاً ومكاناً وزمناً.
وما نحتاجه ليس معجزة، نحتاج فقط أن نُدرك إلى أين يسير العالم ونُدرك أكثر أننا ما زلنا نملك الخيار.
ما زالت لدينا الفرصة وما زلنا في موقع يُمكننا من بناء الجسور، نملك الإرادة حين نُشعلها، ونملك الإدراك متى تحرّر من الخوف والتقليد فالعالم لا ينتظر أحداً لكنّه يُرحّب بمن ينهض ويدخل السباق، والنهضة لا تبدأ من نقطة الصفر، بل من حيث انتهى الآخرون، حين ندرك أن اللحاق ليس عيباً بل منقذة.
أقرأ ايضاً
- حين تتحول الطرق إلى مسرح للموت الجماعي
- حين يقتل الآباء أبناءهم
- وقفه على قرار البنك المركزي حول اليه الدفع حين شراء المنازل