- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المساعدة القضائية والمساعدة القانونية

القاضي أريج خليل
المشرع العراقي لم يحدد تعريفا واضحا للمساعدة القضائية أو ما يُعرف بالمعونة القضائية، إلا أنه يمكن تعريفها بأنها تدبير أقره المشرع لمصلحة الشخص الذي لا تمكنه حالته المادية من دفع رسوم ونفقات التقاضي، ويستطيع بموجبها إقامة دعواه والسير فيها وإتمام إجراءات التحقيق اللازمة لحين الحكم فيها والطعن فيها عند الاقتضاء بالطرق القانونية دون إلزامه بدفع الرسوم والنفقات المقررة قانونًا، وذلك عن طريق تأجيل استيفاء الرسوم أو إعفائه منها حسب الأحوال.
أما المساعدة القانونية فهي المساعدة التي تقدم إلى المواطن من خلال تقديم المشورة والمعلومة القانونية بدون مقابل أو بمقابل رمزي في جميع مجالات القانون وليس في مجال العمل القضائي فقط، وبذلك يكون مفهوم المساعدة القانونية أوسع لأنه يتعلق بكافة الحقوق التي منحها الدستور والقانون للمواطن خارج نطاق العمل القضائي.
قانون المرافعات المدنية العراقي في المادة 293 منه تناول مفهوم المعونة القضائية ونص على:
1 - تمنح المعونة القضائية للفقراء الذين لا يقدرون على تحمل الرسوم القضائية في الدعاوى أو الطعون التي ترفع عنهم بمقتضى القانون.
2 - يجوز منح هذه المعونة للأشخاص المعنوية التي تهدف إلى البر والإحسان أو تعليم الفقراء.
3 - يشترط لمنح المعونة القضائية قيام حالة الفقر واحتمال كسب الدعوى، وللمحكمة أن تقرر في الحالات السابقة تأجيل تحصيل الرسوم القضائية لحين صدور الحكم في الدعوى.
أي أن المشرع اشترط لتقديم المعونة القضائية قيام حالة الفقر، أي أن يكون مقدم الطلب معسرًا، ويجب إثبات حالة العسر بشهادة أو تأييد من جهة مختصة كالمجلس البلدي أو أمانة العاصمة أو شهادة تتضمن أن المدعي معسر الحال ولا يستطيع دفع الرسوم حاليا، وذلك لضرورة وجود دليل يستند إليه القاضي عند إصدار قرار منح المعونة القضائية. والشرط الثاني هو احتمال كسب الدعوى، وهو أمر متروك لتقدير المحكمة بحسب ظاهر الحال، ويؤخذ على هذا الشرط أنه يتعارض مع مبدأ عدم جواز إبداء القاضي رأيًا قبل الأوان.
كما أن للشخص المعنوي وفقًا لأحكام المادة 293 / 2 من قانون المرافعات المدنية أن يستفيد من المعونة القضائية بالنسبة للأشخاص المعنوية التي تهدف إلى البر والإحسان أو تعليم الفقراء، وهذا هو سبب إعفاء الوقفين السني والشيعي من دفع بعض الرسوم أحيانًا. كما أن قانون الرسوم العدلية في المادة 31 منه جاء فيه: "تقرر المعونة القضائية للأشخاص الطبيعية أو المعنوية التي لا تستطيع دفع رسم الدعوى أو رسم الطعن."
أما المساعدة القضائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 فقد نصت المادة 144 / 1 منه على: "ينتدب رئيس محكمة الجنايات محاميًا للمتهم في الجنايات إن لم يكن وكل محاميًا عنه، وتحدد المحكمة أتعاب المحامي عند الفصل في الدعوى، ويعتبر قرار الندب بحكم الوكالة، وإذا أبدى المحامي عذرًا مشروعًا لعدم قبوله التوكل فعلى الرئيس أن يندب محاميًا غيره." أي أن المشرع بموجب النص أوجب حضور محامٍ للدفاع عن المتهم في جرائم الجنايات وذلك لخطورة هذا النوع من الجرائم ولضرورة وجود شخص ذي خبرة وثقافة قانونية يتولى أمر الدفاع عن المتهم حتى لو رفض المتهم ذلك، وتدفع أجور المحامي من خزينة الدولة لأن حق الدفاع من ضمانات المتهم وهي من النظام العام يترتب على إهمالها بطلان الإجراءات.
وإن حق المتهم بانتداب محامٍ للدفاع عنه يكون في كافة أدوار التحقيق والمحاكمة وفي الجنح والجنايات لأنه يتعلق بحق مكفول دستورًا حيث نصت المادة 19 / رابعًا من دستور جمهورية العراق لعام 2005: "حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة." كما نص البند حادي عشر من نفس المادة: "تنتدب المحكمة محاميًا للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محامٍ يدافع عنه، وعلى نفقة الدولة."
أما في قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 فقد جاء في المادة 66 منه: "تشكل في مركز كل من محاكم الاستئناف لجنة للمعونة القضائية تؤلف من ثلاثة محامين يختارهم مجلس النقابة." حيث أوجب قانون المحاماة النافذ تشكيل لجنة للمعونة القضائية في كل منطقة استئنافية مهمتها تقديم المعونة للأشخاص وفقًا للشروط الواردة في المادة 67 من ذات القانون التي نصت: "تختص اللجنة بمنح المعونة القضائية في الأحوال التالية:"
1- إذا كان أحد طرفي الدعوى معسرًا عاجزًا عن دفع أتعاب المحاماة، 2- إذا لم يجد شخص من يدافع عنه من المحامين، 3- إذا طلبت إحدى المحاكم تعيين محامٍ عن متهم أو حدث لم يختر محاميًا للدفاع عنه.
أما المساعدة القانونية فإنها تختلف كما ذكرنا عن المساعدة القضائية، لأن المساعدة القضائية تقف عند إجراءات التقاضي أمام المحاكم سواء في الدعاوى المدنية أو الجزائية وتنحصر في عدم دفع الرسوم والمصاريف القضائية أو تأجيلها لمدة محددة أو عدم دفع أتعاب المحامي المنتدب. أما المساعدة القانونية فإنها تتصل بكافة الحقوق ولكن خارج العمل القضائي، فهي تعني تقديم الدعم والمساندة القانونية لفئات مختلفة في المجتمع وتنظيم دورات توعية قانونية وفتح عيادات قانونية لتقديم المشورة القانونية للمواطنين في كافة المجالات القانونية وبدون مقابل.
وقد نُظمت مؤخرًا المساعدة القانونية بموجب قانون المساعدة القانونية رقم 7 لسنة 2024 والذي يهدف إلى تقديم المساعدة القانونية للمشمولين بأحكامه من خلال تقديم المشورة القانونية أو التوكل أمام المحاكم والجهات الإدارية، ونشر الوعي القانوني من خلال تعريف المواطن بحقوقه الدستورية والقانونية، ودعم حقوق الفئات المشمولة بأحكام هذا القانون من خلال تمكينهم من اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم، وإعداد دليل للمساعدة القانونية والقضائية يتضمن تعريف المواطن بحقوقه الدستورية والقانونية، ونشر الوعي القانوني، والتنسيق مع الجهات الوطنية والإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية من أجل تحسين نوعية المساعدة القانونية وتقديمها بشكل أفضل. كما حددت المادة 2 من القانون الفئات المشمولة بتقديم المساعدة القانونية والذين يكونون مشمولين بحكم القانون دون التحقق من كفاءتهم المالية، وهم المشمولون بقانون الحماية الاجتماعية والمقيمون في دور رعاية المسنين والأيتام وذوو الإعاقة والاحتياجات الخاصة وضحايا العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية وزوج الشهيد وأولاده القاصرون وضحايا الجرائم الجنسية وضحايا الاتجار بالبشر وضحايا الابتزاز الالكتروني والنازحون والمهجرون.
وبموجب القانون رقم 7 لسنة 2024 تم تشكيل مركز في مفوضية حقوق الإنسان يسمى مركز المساعدة القانونية يقوم بعدة مهام منها التوعية بالحقوق الدستورية وتقديم المشورة القانونية وتسوية النزاع بين الأطراف وغيرها وفقًا للتفصيل الوارد في المادة 6 من القانون أعلاه. كما أن ذات المادة استثنت فئات ودعاوى معينة من شمولها بالمساعدة القانونية وهم المحكومون وفق قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005 أو أي قانون يحل محله والمحكومون وفق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 أو أي قانون يحل محله والمحكومون بإحدى جرائم الفساد المالي والإداري والدعاوى التجارية والدعاوى المتعلقة بالضرائب والدعاوى التي يقرر مجلس الوزراء عدم شمولها بناءً على اقتراح من مجلس الوزراء على أن ينشر القرار في الجريدة الرسمية.
ويدير المركز مجلس يسمى مجلس المساعدة القانونية يكون له حق التعاقد مع المحامي بأجور شهرية أو سنوية أو بأتعاب كل دعوى أو دعاوى معينة، وإن كل محامٍ يتعاقد مع المجلس ويرفض تقديم المساعدة يعاقب وفق نصوص قانون المحاماة النافذ.
يعتبر صدور قانون المساعدة القانونية خطوة مهمة في مجال حقوق الإنسان وصيانة كرامته، ونأمل من المختصين تنفيذ أحكام القانون بشكل سريع وإجراءات مبسطة والإسراع بإصدار تعليمات أو نظام لتسهيل تنفيذ القانون.
أقرأ ايضاً
- دور القضاء الحامي للحقوق والحريات في سد الثغرات القانونية التي ترد في القوانين
- نشر الأحكام القضائية وانتهاك حرمة الحياة الخاصة
- تأثير التحول الرقمي على الجريمة المنظمة: التحديات القانونية الواجب مواجهتها