
مع انخفاض أسعار النفط بنحو 10 دولارات للبرميل الواحد عن ما محدد له في الموازنة العراقية العامة، يتصاعد الحديث في العراق حول إعادة تعيين سعر برميل النفط في الموازنة، في ظل تحذيرات المختصين من من أزمة مالية قد تعيد العراق إلى سنوات الشح والتقشف، رغم النفي الحكومي.
وفي هذا الإطار، نفت اللجنة المالية النيابية، اليوم الخميس، اعتماد سعر 60 دولارا للبرميل في الموازنة للعام الحالي 2025، مستبعدة في الوقت ذاته وجود موازنة أساسا لهذا العام.
وقال عضو اللجنة جمال كوجر إن “الحديث عن اعتماد 60 دولارا للبرميل في الموازنة غير صحيح، لان جداول الموازنة لم ترسل الى مجلس النواب حتى الان، وكلجنة مالية ليس لدينا اي اطلاع على هذا الموضوع”.
واستبعد كوجر ان “تذهب الحكومة الى هذا الخيار لان انخفاض أسعار النفط جاء كرد فعل لبعض الاجراءات سواء كانت الرسوم الجمركية التي فرضتها امريكا او الارتباك الدولي الذي حصل بعد رسوم ترامب”.
وتوقع كوجر “عودة ارتفاع أسعار النفط”، مشيرا الى أن “الحكومة أعدت مسودة الموازنة حسب قول وزير التخطيط قبل اسبوعين ولم يتحدث الوزير عن هكذا سعر اطلاقا”.
وأكد أن “أي دولار ينزل من سعر النفط سوف ينخفض من موازنة الدولة بشكل حقيقي ما لا يقل عن 3.5 مليون دولار يوميا، فاذا استمر لثمانية أشهر القادمة فستكون الخسائر من 900 مليون دولار الى مليار دولار”.
وكانت شبكة بلومبيرغ الاقتصادية الدولية، كشفت في 15 نيسان الجاري، عن وجود ما وصفتها بـ”مساعي حكومية عراقية” لاعادة تعيين سعر برميل النفط في موازنة عام 2025 بعد فقدانه نحو 13% من قيمته الكلية خلال الشهر الحالي نتيجة للمخاوف من الركود الاقتصادي عقب الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إلى ذلك، حذر الخبير الإقتصادي نوار السعدي، اليوم الخميس، من بقاء سعر برميل النفط على 70 دولاراً للبرميل، مبينا أنه بات رقما بعيداً عن الواقع مع التراجع الحاد للأسعار إلى ما دون 60 دولاراً.
وقال السعدي في حديث لوسائل الإعلام، إن “عجزاً غير محسوب قد يصل إلى أكثر من 30% من النفقات الكلية، ما يضع الحكومة في موقف حرج من حيث قدرتها على الإيفاء بالالتزامات، خاصة ما يتعلق برواتب الموظفين التي تشكل النسبة الأعلى من الإنفاق الجاري”.
ورجح السعدي، أن “يشهد العراق خلال هذا العام مزيداً من العجز المالي، ليس فقط على مستوى تمويل المشاريع الاستثمارية، بل حتى في الالتزامات الأساسية إن لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، ورغم أن الحكومة تصرّح أن الرواتب مؤمّنة ولا خطر عليها، إلا أن الواقع يعكس وجود ضغوط حقيقية على السيولة”.
وأكد أن “بقاء السياسة المالية العراقية مرهونة بأسعار النفط العالمية يعني أن أي أزمة في الأسواق الخارجية ستكون لها انعكاسات مباشرة داخلية، تبدأ بالعجز المالي، وقد لا تنتهي عند اضطرابات اجتماعية إذا ما تأثرت الرواتب أو الإعانات الاجتماعية”.
وشهدت أسعار خامي البصرة الخفيف والمتوسط، في وقت سابق من اليوم الخميس، انخفاضاً أكثر من 1% للبرميل الواحد.
وانخفض سعر خام البصرة الثقيل 114 دولاراً بما يعادل 1.83% ليصل إلى 29.61 دولاراً، كما تراجع سعر الخام المتوسط 1.14 دولاراً أو ما يعادل 1.73% ليصل إلى 44.64 دولاراً.
وسجل خام برنت اليوم 66.43 دولاراً للبرميل، فيما سجل الخام الأمريكى 63.15دولاراً.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على التغيير في العراق، فإن شكل الاقتصاد العراقي لم يستقر حتى الآن على هوية واضحة ومستقلة، فالسمات الغالبة على هذا الاقتصاد لا تزال تمزج بين اشتراكية الماضي ورأسمالية الحاضر، في توليفة غريبة قد تستمر لعقود قادمة، بسبب وجود الكثير من المعوقات والتحديات المالية والسياسية والأمنية والإدارية والتشريعية، التي أخرت كثيرًا عملية إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به مرة أخرى.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة «أوبك»، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
وكان المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، قد أرجع مؤخرا، سبب تأخير إرسال جداول موازنة 2025 إلى مجلس النواب لغاية الآن، إلى تعديلات تخص تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان، مما تطلب إعادة سُبل الاحتساب”.
وجاء ذلك في الوقت الذي يشهد فيه السوق المالي العراقي تحركاً سريعاً، حيث أقر مجلس الوزراء إصدار سندات بقيمة 5 ترليونات دينار لتمويل المشاريع الاستثمارية المتوقفة أو المتعثرة، وبحسب تقرير لوزارة التخطيط، فإن أكثر من 140 مشروعاً خدمياً في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية بحاجة إلى تمويل عاجل، ما يجعل الاستمرار في هذه المشاريع رهينة بالسيولة المتوفرة.
وتم احتساب سعر برميل النفط بـ70 دولاراً في موازنات العراق للسنوات 2023 و2024 و2025، “وهذا أقل مما يباع حالياً في الأسواق العالمية، ويتم تصدير نحو 3.5 مليون برميل نفط يومياً، وهي حصة العراق في أوبك، والتي على أساسها تم احتساب إيرادات العراق النفطية وغير النفطية التي بلغت 147 تريليون دينار.
ورفعت شركة بي.إم.آي للأبحاث التابعة لفيتش سولويشنز توقعاتها لعجز ميزانية العراق في 2024 من 3.3% إلى 7% ما يرجع في الأساس إلى ضعف آفاق الإيرادات النفطية التي تمثل 93% من إجمالي الإيرادات الحكومية.
ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى، فيما يواجه قطاع الزراعة الذي كان يمثل أحد روافد الإيرادات في السابق، تدهورا كبيرا، ومنذ عام 2022، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وتعد قضية الديون الداخلية والخارجية واحدة من أبرز الملفات الاقتصادية التي تواجه الحكومة العراقية، حيث تشكل هذه الديون تحدياً يتطلب إدارة حذرة ورؤية لضمان استقرار الاقتصاد الوطني في المستقبل.
أقرأ ايضاً
- في كربلاء.. اجراء 4500 عملية جراحية للقلب بمستشفى الإمام الحسن (عليه السلام) الحكومي
- الإعلام الحكومي: تعزيز ثقة المواطنين بالدفع الالكتروني يعجل التنمية المستدامة
- وزيرة المالية: إعادة هيكلة مصرفي الرافدين والرشيد وشركات التأمين خطوة لتعزيز الاستقرار المالي