
يبدو أن جداول الموازنة للعام الحالي ستبقى حبيسة رفوف الحكومة، ولن تمر إلى البرلمان، بسبب ما وصفته أوساط سياسية واقتصادية بـ”العام الانتخابي”، ففيما رأى مراقبون للشأن السياسي والاقتصادي، أن الحكومة تخشى إطلاق الموازنة خوفا من استغلالها في الدعاية مع قرب حلول الانتخابات التشريعية، اتهمها آخرون بتعمد التأجيل للتغطية على الخروق التي تنطوي عليها، ما قد يؤثر عليها انتخابيا.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، إن “تأخير جداول الموازنة أثبت أن ما تم وصفه بالموازنة الثلاثية التي أقرت لثلاث سنوات، أمر وهمي، فما تم التصويت عليه في مجلس النواب هي النصوص فقط، وبقي الاختلاف مستمرا حول الجداول التي تكشف الإنفاق والإيراد وأبواب الإنفاق”.
ويضيف التميمي، أن “العادة جرت خلال السنوات الأخيرة على التأخر في تقديم جداول الموازنة، ولعل السبب دائما ما يكون مرتبطا بإخفاق من قبل وزارة المالية، أو أن الموازنة قد تتعرض لتغييرات كثيرة خدمة لمصالح سياسية من أحزاب وشخصيات لها نفوذها في الحكومة”.
ويتابع أن “أطرافا سياسية داخل البرلمان مازالت تحاول مجددا المتاجرة السياسية بالموازنة ومحاولة فرض بعض القضايا بين طيات جداول الموازنة لإظهار مواقف سياسية تخدم مشروعها الانتخابي”.
ويوم أمس، استبعدت اللجنة المالية، إرسال الحكومة جداول موازنة سنة 2025 إلى البرلمان لغرض تمريرها، إذ قال عضو اللجنة جمال كوجر، أن “مجلس النواب لديه إمكانية لتمرير جداول موازنة سنة 2025 في حال وصلت له من قبل الحكومة العراقية، لكن نعتقد ليس هناك جدية بإرسال تلك الجداول”.
وحدد كوجر هناك ثلاثة أسباب تمنع الحكومة العراقية من إرسال الجداول، أولها “عدم وجود السيولة النقدية لتنفيذ المشاريع الجديدة وغيرها، والثاني هو عدم صرف الحكومة التخصيصات المالية لسنة 2023 بشكل كامل وكذلك سنة 2024، وهذا أيضا سببه عدم توفر السيولة، والسبب الأخير هو قرب انتخابات مجلس النواب، فالحكومة لا تريد تمرير الموازنة حتى لا يتم استغلال الأموال بالدعاية الانتخابية، ولهذا لا نتوقع إرسال الجداول، وستقوم الحكومة بصرف الرواتب فقط خلال الأشهر المقبلة”.
من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي همام الشماع، أن “جداول الموازنة لن تقدم إلى البرلمان إلا بشكل متأخر، لأن العام 2025 هو عام انتخابات، وهذه الجداول ستظهر حجم الإنفاق الذي تصر الحكومة على عدم إظهاره بسبب الخروق”.
ويضيف الشماع، أن “الحكومة قد تبرر تأخير الجداول بأنها تدرس إمكانية إعداد موازنة تقشفية بسبب انخفاض أسعار النفط واحتمالات الركود العالمي، لكن ذلك لا يبرر كل هذا التأخير، فالمبرر الرئيسي لعدم تحويلها هو الحرص على عدم إظهار الخروقات في الموازنة.
ويردف أن “المطلع على حسابات الدولة حتى نهاية تشرين الثاني 2024 سيجد أن مجموع الإنفاق الاستثماري والجاري بلغ حوالي 116 تريليون دينار، وبالإضافة إلى ما تبقى من السنة سيظهر أن مجموع النفقات الاستثمارية والجارية والرواتب بلغ 123 تريليونا، فأين ذهبت بقية الأموال من مجموع الموازنة المخصص للعام الماضي وهو 216 تريليون دينار”، لافتا إلى أن “العام الانتخابي كشف المستور الذي خبأته حكومة السوداني طيلة الفترة الماضية، لذا لا تريد الآن إظهار الجداول لأنها تأخذ من جرف شعبية السوداني الانتخابية”.
وكان عضو اللجنة المالية النيابية، عدي عواد، أكد يوم الخميس الماضي، أسباب تأخير إرسال الموازنة العامة الاتحادية إلى مجلس النواب لإقرارها لغاية الآن، حيث بين أن من بينها الوضع السياسي، وقرب إجراء الانتخابات، وعدم وجود إرادة سياسية على إقرار جداول قانون الموازنة، ساهم في تأخيرها، متوقعا أن “لا تكون هناك موازنة لعام 2025 بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لدى الحكومة لإرسالها إلى البرلمان”.
يذكر أن المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أرجع سبب تأخير إرسال جداول موازنة 2025 لمجلس النواب حتى الآن، إلى “تعديلات تخص تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان، مما تطلب إعادة سُبل الاحتساب”.
إلى ذلك، يجد المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلائي، أن “تأخير جداول الموازنة يتعلق بوجود ملاحظات جوهرية على تفاصيل هذه الجداول مثل توزيع الإنفاق أو الإيرادات، أو عدم وضوح أولويات الصرف، أو أخطاء في تقدير الأرقام”.
ويضيف الهلالي، أن “الحكومة تريد تجاوز الاعتراضات من قبل اللجان البرلمانية المختصة على هذه التفاصيل التي تؤدي إلى تعطيل تمريرها في مجلس النواب”.
كما يشير إلى أن “هناك أسبابا سياسية تتعلق ببعض الكتل أو الشخصيات السياسية قد تستخدم تعطيل الموازنة كورقة ضغط للحصول على تنازلات أو مكاسب سياسية، وقد تؤجل الموافقة عليها بغرض استغلالها كورقة دعائية في الحملات الانتخابية المقبلة، خصوصا في ما يخص المشاريع والخدمات”، مؤكدا أنه “بالمجمل، المسألة ليست فنية فقط، ولا سياسية فقط، بل هي مزيج معقد من كل هذه العوامل”.
يذكر أن مجلس النواب صوت على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية، وذلك بعد تأجيل دام لعدة جلسات وتحذيرات من أزمة مالية جراء ذلك التعديل.
وتضمنت تعديلا للمادة 12 من قانون الموازنة، والتي تشمل فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية”، فيما نصت الفقرة الثانية، على أنه في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، فإن وزارة النفط تتولى اختيار جهة لتحديد تلك الكلف، وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم.
يشار إلى أن تعديلات الموازنة الاتحادية أثارت استياء نواب الوسط والجنوب، خاصة بعد منح امتيازات كبيرة لمحافظات إقليم كردستان، ورفع سعر برميل النفط المخصص للإقليم، وهو ما اعتُبر استنزافا لميزانية الحكومة الاتحادية على حساب بقية المحافظات.
ويبقى ملف النفط والإيرادات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان أحد أكثر الملفات تعقيدا، حيث تتقاطع فيه الجوانب القانونية والسياسية، وبينما تسعى الحكومة والبرلمان لتسوية الإشكالات عبر تعديلات قانونية وإجراءات رقابية، يبقى الالتزام من جانب الإقليم محورا أساسيا لضمان حقوق الموظفين وتعزيز الاستقرار في العلاقة بين الطرفين.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بينها وبين الموت خطوات.. كيف اعادت طبيبة في مركز المجتبى الحياة الى مريضة بابلية ؟
- موازنة 2025.. هل يؤخر "نفط الإقليم" تمرير جداولها؟
- ما أسباب ارتفاع صادرات الصين للعراق.. وكيف تسببت بصعود الدولار؟