
بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
كما أن هناك كواكب حقيقية في المجموعة الشمسية تسعى وكالات الفضاء لاكتشافها ومعرفة عوالمها والبحث عن ثمة حياة عليها مثل كوكب الزهرة وعطارد والمريخ، فإن هناك كواكب رقمية افتراضية بدأت تتشكل وتتكون في حياتنا الرقمية نحتاج لاكتشافها ومعرفة عوالمها وكيفية الحياة على سطحها وإمكانية دخولنا الافتراضي لها.
واكثر الكواكب الرقمية حداثة هو (كوكب الميتافيرس) والميتافيرس هو واقع افتراضي ثلاثي الأبعاد يسمح للأشخاص بالتواجد افتراضيا مع بعضهم البعض باستخدام شخصياتهم الافتراضية (الافاتار) واللعب والتفاعل والعمل والتسوق والحديث في بيئة رقمية افتراضية كما لو كانوا في واقعهم الحقيقي. ولغرض إعلان ولادتك في (كوكب الميتافيرس) يجب أن يكون لديك هاتف ذكي وإنترنت ونظارات وافاتار وحساب على المنصات المختصة، حينها ستولد على سطح هذا الكوكب وتلتقي باشخاص تعرف بعضهم ولا تعرف البعض الآخر.
تشاهد على هذا الكوكب مباريات كرة قدم وتحضر حفلات فنية وموسيقية وندوات ثقافية وتدخل في جدل سياسي واجتماعي، ليس ذلك فحسب، بل يمكن أن تدخل عالم الاستثمارات ومن أهمها الاستثمارات العقارية فيمكن ان تشتري قطعة ارض في دبي او واشنطن من خلال مكاتب الدلالية الموجودة في (كوكب الميتافيرس) وهي عبارة عن شركات استثمار عقارية مثل شركة (Decentraland) التي تتوسط لبيع الأراضي والبيوت بين الأفراد من المستخدمين الذين يعيشون في عالم (الميتافيرس) واقل سعر لقطعة أرض في هذا الموقع يبلغ عشرة آلاف دولار وفي بعض المواقع يصل سعر المتر الواحد لبعض الأراضي لاربع آلاف دولار، ويحصل البيع والشراء من خلال العملات الرقمية المعتمدة في منصات (الميتافيرس) مثل عملة (البيتكوين) و(الايثريوم) و(الهوليو) وكل وحدة من هذه العملات لها السعر الذي يوازيها ويعادلها بالدولار الأمريكي وقطعة الأرض التي تشتريها في عالم (الميتافيرس) يمكن ان تقوم ببناء الدار التي تريد عليها وان تختار الطراز المعماري والألوان المعتمدة والمسبح والحديقة المنزلية ويمكن أن تدعو أصدقاءك المشتركين في منصات (الميتافيرس) لزيارة منزلك والحديث معهم وتناول القهوة وتبادل الاحاديث ويمكن كذلك ان تقضي عطلتك الصيفية في البلد الذي تحبه وتفضله عبر هذه المنصات وتختار الفصل الذي تحبه شتاء كان ام ربيعا اذا لم تتمكن في عالمك الواقعي من تحقيق ذلك.
وإزاء ما يقدمه (الميتافيرس) من خدمات واستثمارات وترفيه هناك الجانب السلبي والمتمثل بالجرائم المرتكبة في هذا العالم حيث أن (للميتافيرس) مجرميه المتخصصين ممن يقومون بالتحرش ونشر المقاطع الفاضحة كذلك يمكن ان تصحو في احد الأيام لتجد أن قطعة الأرض التي اشتريتها بملايين الدولارات قد تعرضت للبيع من قبل شخص افتراضي آخر قام بالدخول إلى بياناتك وتهكيريها وانتحال شخصيتك ومن ثم نقل ملكية قطعة الأرض إلى أشخاص آخرين حسني النية فتنشأ المنازعات بالضبط كما تنشأ في الواقع الحقيقي ويمكن أن يستثمر شخص أمواله في عالم (الميتافيرس) بشراء العقارات ويتوفى بعد فترة ويذهب أبناؤه باتجاه تصفية التركة الرقمية وتوزيع الارث بين الورثة كل ذلك يضع الدول وأجهزة العدالة امام تحديات تشريع القوانين التي تحكم وتنظم العلاقات الجزائية من احتيال وتزوير وسرقة والعلاقات المدنية من بيع وشراء وتوزيع حصص ارثية بين أفراد هذا العالم وفيما لو أراد أصحاب تلك العلاقات واطراف تلك النزاعات الرقمية نقلها للواقع الحقيقي وفضها من خلال دعاوى تنظرها المحاكم. وهنا فان هناك مجموعة من الأسئلة التي سوف تثار منها سؤال المحاكم التي سوف ينعقد لها الاختصاص القضائي واي القوانين هو القانون الواجب التطبيق، وهل ثمة اتفاقيات دولية يمكن أن تنظم مثل هذه الأطر القانونية لتجد نفاذيتها في القوانين المحلية، ومن ثم حلحلة نزاعات ووقائع قانونية سوف نكون مجبرين على مواجهتها ونظر قضاياها والإجابة عن تساؤلاتها في المستقبل القريب.
أقرأ ايضاً
- الجرائم التي يرتكبها الأحداث: بين العقاب والتدابير التصحيحية
- جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات وتحديد المسؤولية
- العقوبات البديلة في اطار الجرائم الاقتصادية