
مضى أسبوع ساخن من الجدل على دعوة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لرئيس المرحلة الأنتقالية في سوريا -أبو محمد الجولاني- أحمد الشرع، للمشاركة في مؤتمر القمة العربية المنعقد في بغداد خلال أيار المقبل، والتي أعقبها بلقاء خاطف ومفاجئ في الدوحة، فمذاك تصاعدت حملات الرفض بدءاً من البرلمان وصولاً إلى القيادات والأحزاب السياسية، وفيما رأى رافضون للدعوة أن السوداني اجتهد بهذا القرار، ولم يستشر الإطار التنسيقي، أكد مؤيدون أن هذا القرار سيادي من أعلى السلطات ومبني على المصالح لا “العداوات”، في وقت شرح خبير قانوني صلاحيات رئيس الوزراء بهذا الصدد، و”المطلوبية القضائية” للشرع.
وفي 16 نيسان الحالي أعلن السوداني توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع، للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في بغداد، الشهر المقبل، وأوضح خلال مشاركته في ملتقى السليمانية الدولي الأسبوع الماضي: أنه “تم توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري لحضور قمة بغداد المقبلة، وهو مرحَّب به لحضور القمة”، مضيفا أن “القمة المقبلة حدث مهم لاستقبال القادة والرؤساء العرب، وسيكون لنا دور مهم في معالجة قضايا الأمن والاقتصاد”.
وفي هذا الصدد، يعتقد الباحث في الشأن السياسي محمود الهاشمي، أن “ذاكرة العراقيين مازالت حافلة بمشاهد الدم والإرهاب التي سببها الجولاني والجماعات الإرهابية في الفترات السابقة ومن الصعب أن يتم نسيانها، لذا فإن ردات الفعل الرافضة تجاه دعوة السوداني له طبيعية”.
وعما اذا كانت هذه الدعوة متفقا عليها مع الإطار التنسيقي أم أنها اجتهاد شخصي، يوضح الهاشمي: “ليس هنالك أحد من قادة أو أعضاء الكتل صرح بأن السوداني قد اجتهد في الذهاب إلى توجيه هذه الدعوة، لاسيما أنها تأتي بعد زيارة وزير خارجية سوريا للعراق منذ فترة قريبة، والأخير لديه تاريخ دموي كبير أيضا، فربما جاءت هذه الدعوة من هذا القبيل، كما أن أحدا من أعضاء الحكومة لم يتبرأ من الدعوة”.
ويرى أن “دعوة الرئيس السوري تبقى محصورة بشخص رئيس الوزراء، وهو الذي بادر بها وفقا للعرف الدبلوماسي، وما يعتقده هو بشأن المصالح والعلاقات، فإذا ما كان رئيس الوزراء قد اتخذ هذا القرار بالتشاور، لكان قد ردّ على الرافضين، لاسيما على من اعترض من تحالفه الذي يمثل مرجعيته السياسية، وهو الإطار التنسيقي، لكن يبدو أنه اجتهد ولم يستشر أحدا فهو رئيس الحكومة وهو من يتحمل مسؤولية هذا القرار”.
وحول إحراج السوداني، بسبب أي تراجع عن الدعوة، يذهب الهاشمي، إلى أن “الحكومة مضت بهذا الرأي ولن تتراجع، لكن على الطرف الآخر أن يقدر الموقف، فكلما ازداد الرفض، سيساعد رئيس الوزراء أكثر، كونه من قام بالواجب ووجه دعوة وترحيبا بالجولاني، وعلى الأخير أن يعرف أن الداخل العراقي رفضه ولم ينس تاريخه الإجرامي”.
واستمر السجال في العراق حول مشاركة الشرع في القمة العربية المقرر إجراؤها في 17 من أيار المقبل بالعاصمة بغداد، وسط تحشيد إطاري لمنع استقبال الشرع في بغداد، فبعد جمع تواقيع برلمانية لمنع حضور الشرع للقمة، كشفت النائب ابتسام الهلالي، أول أمس الإثنين، عن تحركات داخل مجلس النواب لجمع تواقيع تهدف إلى استضافة رئيس مجلس الوزراء خلال جلسة البرلمان المقبلة، وذلك على خلفية دعوته للشرع لحضور القمة العربية.
ونُشِرت يوم أمس، وثائق تتضمن تقديم طلب موقع من 58 نائبا الى رئاسة الرئاسة البرلمان لمخاطبة وزارة الخارجية العراقية لغرض عدم دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع للقمة العربية.
وأعلن حزب الدعوة الإسلامية، الأحد الماضي، رفضه “غير المباشر” لزيارة الشرع، الى بغداد للمشاركة في القمة العربية، مشددا على ضرورة التأكد من خلو السجل القضائي العراقي والدولي من كونه مطلوبا، فيما لوح الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، بالقبض على الشرع فور وصوله إلى بغداد.
من جهته، يعلق المحلل السياسي علاء الخطيب، بالقول: “ليست هناك عداوات دائمة في عالم السياسة ولا صداقات دائمة، هناك على الدوام مصالح مشتركة، وهذه المصالح هي التي تبنى عليه العلاقات الدولية، لذا فإن دعوة السوداني للرئيس السوري ولقائه به في الدوحة بدعوة من أمير قطر تعتمد على المصلحة الوطنية العراقية وليس على العداوات”.
ويضيف الخطيب، أن “هذا الشيء معتمد في العلاقات الدولية، وإيران الآن خير مثال، فعلى الرغم من مؤاخذاتها على الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب على وجه التحديد باعتباره من اغتال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إلا أن طهران تغاضت عن هذه القضية من أجل المصلحة الوطنية والآن تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي”.
ويتابع أن “المصالح هي ما يتحكم بالدول فلا يمكن أن تتوقف دولة ومصالحها على شخص معين أو على قضية خلافية، أما في يتعلق بغضب حزب الدعوة أو الإطار التنسيقي من دعوة الشرع، فهذه قضية داخلية لا تعتمد عليها العلاقات العراقية الإقليمية والدولية”، لافتا إلى أن “الشرع أو الجولاني الآن هو رئيس سوريا، وهناك علاقات دولية وإقليمية بين سوريا والعالم العربي والعالم، والعراق لا يمكن أن يعزل نفسه عن العالم والواقع”، على حد تعبيره.
ويعتقد أن “هذا الواقع ينطبق على ترامب أيضا فالرئيس الأمريكي عليه مذكرة قبض في العراق، ولكن لا أحد سيفعل هذه المذكرة، بالنظر إلى المصالح الوطنية”، لافتا إلى أن “العراق ليس دولة أيديولوجية تهتم بالمواقف، بل بالمصالح، ويجب أن نفرق بين المواقف السياسية لبعض الأطراف والقرارات السيادية فمن يرسم السياسة الخارجية هو رئيس الوزراء أعلى سلطة في البلد”.
وخلال الأسبوع الماضي، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لقاء سريعا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة القطرية الدوحة.
لكن لقاء السوداني والشرع لم يكن مفاجئا للكثير سواء في بغداد أو دمشق، إذ مهدت له زيارتان متبادلتان من الجانبين في وقت سابق، الأولى عندما أجرى رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري زيارة إلى دمشق مطلع العام الحالي، والثانية عندما زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بغداد والتقى برئيس الحكومة والرئاسات الأخرى الشهر الماضي.
من جانبه، يرى الخبير القانوني علي التميمي، أن “رئيس مجلس الوزراء في النظام البرلماني العراقي يتمتع بصلاحيات واسعة، نصت عليها المواد (78–87) من الدستور، وتشمل إدارة شؤون الدولة ووضع السياسة العامة والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات، وقيادة القوات المسلحة”، مشددًا على، أن “الحكومة هي الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات المصيرية بالتنسيق مع البرلمان، بما يعكس مبدأ السيادة للشعب وفق المادة (5) من الدستور”.
وفي ما يتعلق بالمطلوبية القضائية للرئيس السوري في العراق، يشير إلى أن “الحصانة الممنوحة لرؤساء الدول تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى مطلقة، سواء كانت القضايا الموجهة ضدهم تتعلق بسلوك شخصي أو رسمي”، مبينا، أن “محكمة العدل الدولية أكدت هذا المبدأ في أحد قراراتها عام 2001، ما يعكس استقراره ضمن المنظومة القانونية الدولية”.
ويوضح التميمي، أن “الحصانة لا تعد امتيازا شخصيا للرئيس، وإنما هي امتياز للدولة التي يمثلها، وتشبه من حيث المبدأ حصانة النواب البرلمانيين، والتي تُمنح للشعب الذي يمثلونه، لا لأشخاصهم”، لافتا إلى، أن “اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، واتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969، أكدت هذا المبدأ بشكل واضح”.
ويضيف، أن “هذه الحصانة تحظر على أي دولة اعتقال أو محاكمة رئيس دولة آخر عند دخوله أراضيها، حتى في حال ارتكابه جرائم دولية، انسجامًا مع مبدأ السيادة الوطنية، وفقًا لما نصت عليه المواد (1 و2 و3 و18) من ميثاق الأمم المتحدة”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- إيران تحذر جوارها.. هل ينجح بروتوكولها الدفاعي؟
- تركيا وBKK.. هل يغادران العراق بعد مبادرة السلام؟
- المصارف العراقية وواشنطن.. هل ستؤدي "المصالح الحزبية" لأزمة كبيرة؟