
تحولت بغداد، إلى ساحة تنافس رئيسة في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث قرر قادة الصف الأول لكتل الإطار التنسيقي، إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان السابق، تصدر قوائمهم في العاصمة، الأمر الذي حمل معه تنافسا محموما بين رؤوس الإطار، لأسباب عدة، أجملها مراقبون بمحاولة الاستحواذ على جزء من أصوات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فضلا عن التخوف من صعود قوى سنية وأبرزها محمد الحلبوسي، في ظل غياب التيار الصدري، إلى جانب الأهم، وهو أن القانون الحالي يسمح للقادة بتوزيع الأصوات الإضافية على مرشحي قوائمهم.
ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي عصام الفيلي، إن “الصراع على بغداد في الانتخابات بديهي، بسبب عدد مقاعدها الوفير، وتنوع سكانها الذين ينتمون لمختلف المكونات”.
ويضيف الفيلي، أن “طبيعة القانون الانتخابي الذي جعل بغداد دائرة واحدة، زاد من هذا التزاحم، فضلا عن طبيعة الصراع بين المكون السني، الذي أدى لمشاركة كتل عدة منه، كما أن الكتل الشيعية تدخل في بغداد لغرض جميع أكبر عدد من الأصوات والمقاعد، ويبدو أنها تسعى لغرض القضم من جرف كتلة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني”.
وينوه إلى أن “الانتخابات لا تملك عنصر المفأجاة، لأن ما بعدها هو الأهم، فالتحالفات هي التي تقرر من يشكل الحكومة”، مبينا أن “طبيعة المشهد السياسي في بغداد وترشيح الزعامات، هو بسبب القانون الانتخابي الذي جعل المحافظة كلها دائرة واحدة، ولو اعتمد نظام الدوائر المتعددة، لما وجدنا هذا الحضور لأطراف هي ليست من بغداد”.
ويلفت إلى أن “الجانب الأهم، هو غياب التيار الصدري الذي فتح شهية الكثير من القوى السياسية لالتهام الكثير من المقاعد التي كان يحصل عليها التيار، وخاصة في العاصمة”.
وقرر كل من محمد شياع السوداني، رئيس تحالف الاعمار والتنمية، وهادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر، ونوري المالكي، رئيس ائتلاف دولة القانون، ومحسن المندلاوي، رئيس تحالف أساس، ومحمد الحلبوسي، رئيس حزب تقدم، خوض الانتخابات عبر ترشيح أنفسهم عن العاصمة بغداد، من خلال الرقم واحد في قوائمهم الانتخابية.
هذا الأمر، تحول إلى مادة تهكم طيلة الساعات الماضية، وتم إطلاق تسمية “واحد بغداد” على هذه الأسماء، ليشبه نداء “واحد عراق” الذي ألصق مؤخرا بالسوداني، وضجت مواقع التواصل حوله بمختلف المنشورات.
وكانت انتخابات عام 2018، آخر انتخابات يرشح فيها قادة الكتل، ومنهم المالكي، ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، وفي حينها فازا بمقعد نيابي ولم يؤديا اليمين الدستورية، كما حصل الأمر مع محافظين عدة، أبرزهم محافظ البصرة أسعد العيداني، الذي تنازل عن مقعده النيابي مقابل بقائه بمنصب المحافظ.
يشار إلى أن الإطار التنسيقي، قرر يوم أمس الأول، الدخول بتحالف موحد في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين، بعد اجتماع ضم أغلب كتله، لكنه تراجع عن قراره بعد أقل من 24 ساعة، ليقرر دخول الانتخابات في قوائم متعددة في كل العراق.
الثقل
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي سيف السعدي، أن “الدورة الانتخابية السادسة ستركز على النوع وليس العدد، ومن الأهم ترشيح شخصيات لها ثقلها مثل قيادات الصف الأول، نوري المالكي ومحمد شياع السوداني ومحمد الحلبوسي، وهادي العامري، ومحسن المندلاوي”.
ويرى السعدي، أن “هذه الشخصيات لها ثقل جماهيري، وحصولها على عدد كبير من الأصوات سوف يخدم أحزابها، لأن كل شخصية قد يصل عدد أصواتها إلى 100 ألف أو أكثر، وبالتالي فآلية توزيع القانون الانتخابي تمنحه قوائمهم الأصوات الإضافية”، مشيرا إلى أن “هذا التنافس يعطي ثقلا أكبر للجماهير، خاصة وأن المالكي يخشى صعود شخصيات لها ثقل سياسي مثل الحلبوسي، وبالتالي فإنه ترشح بنفسه، وعاد إلى المشهد، ومثله فعل العامري، خاصة بعد خلافه مع السوداني، الذي أراد هو الترشح عن بغداد بالرقم واحد عن قائمة السوداني، لكن الأخير رفض الأمر”.
يذكر أن تحالف تقدم، بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، حصل على المرتبة الأولى في بغداد، بانتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي جرت أيضا بمقاطعة التيار الصدري، وسط توقعات بتكرار السيناريو في الانتخابات التشريعية، وفوز كتل من المكون السني في ظل ذات المقاطعة.
وكان الصدر، أعلن في آذار الماضي، عدم المشاركة “في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب.. ولذا فإني كما أمرتهم بالتصويت فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح ففيه إعانة على الإثم.. فأي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والبعثيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله”.
الانحدار
من جانبه، يبين الباحث في الشأن السياسي أحمد الخضر، أن “ما نراه من ترشيح الزعامات الكبيرة في بغداد، هو جزء من احتدام الصراع الانتخابي على الدائرة الانتخابية الأكبر في العراق”.
ويؤكد الخضر، أن “الكل يطمح لإثبات نفسه، وأيضا هناك دافع آخر هو محاولة هذه الزعامات في الاستيلاء على المقاعد التي سابقا حصل عليها التيار الصدري”، متابعا أن “الإطار أدرك أن هناك انحدارا في الأداء السياسي، وهذا الانحدار سوف يصب في مصلحة الحلبوسي الذي رشح عن بغداد، وهو يتمتع بشعبية كبيرة حتى لدى بعض الشيعة المعتدلين”.
ويستدرك “بالتالي، فالإطار التنسيقي متخوف من عزوف أغلبية الشيعة عن الانتخابات قبال مشاركة سنية واسعة، وهذا ما دفع رؤس الإطار التنسيقي للترشح في بغداد”.
يشار إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2021، شهدت تراجعا كبيرا، ما دفع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في حينها، إلى اعتماد آلية احتساب جديدة في الانتخابات السابقة، تمثلت بحصر نسبة المشاركة بناءً على عدد المصوتين من بين حاملي البطاقات الانتخابية الفعّالة فقط، دون الأخذ بمجموع المؤهلين للتصويت كما هو معمول به في معظم دول العالم، وهو ما أثار موجة من الجدل والتشكيك في دقة النسب المعلنة ومدى تعبيرها عن التمثيل الشعبي الحقيقي.
ووفقا للأرقام الرسمية التي أعلنتها المفوضية آنذاك، فإن عدد الناخبين في 2021 بلغ 22 مليونا و116 ألفا و368 ناخبا، فيما بلغ عدد المصوتين 9 ملايين و77 ألفا و779 ناخبا، وهو ما دفع المفوضية إلى إعلان نسبة مشاركة بلغت 41 بالمئة استنادا إلى هذا العدد، إلا أن النسبة الحقيقية للمشاركة، عند اعتماد مجموع المؤهلين فعليًا للتصويت والذي بلغ 25 مليونا و139 ألفا و375 ناخبا، تكون 36.11 بالمئة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في محافظة بابل.. لماذا لم يبنى مستشفى حكومي بأرض الدولة في ناحية "ابي غرق" منذ عقود؟
- العراق يدخل الصيف الأسوأ في تاريخه.. ما الحلول؟
- العراق يعتزم إجراء تعداد زراعي لأول مرة منذ 70 عاماً.. خطوة نحو الأمن الغذائي أم "استهلاك إعلامي"؟