
يستمر الواقع التعليمي في العراق بالتدهور، حتى أصبحت المؤسسات الأكاديمية عاجزة عن تقديم تعليم بجودة مقبولة، ما جعل العراق يتذيل قوائم التقييمات العالمية في معايير الرصانة الأكاديمية وجودة التعليم، ويعكس هذا التدهور الفشل الذريع في استيعاب أهمية التعليم كركيزة أساسية لبناء مستقبل البلاد.
وفي هذا الإطار، اتهم النائب السابق محمد الشمري، أعضاء في لجنة التعليم العالي النيابية بالسعي لإلغاء شرط وجود هيئات علمية في الجامعات الأهلية، ومنح مستثمري هذه الجامعات صلاحية منح شهادات التخرج دون محددات أكاديمية.
وقال الشمري في بيان، إن “التعليم هو أحد أهم اركان بناء الدولة التي ننشدها، لذلك فإننا نؤمن بان أي مشروع خارجي لضرب المجتمع العراقي في المرحلة المقبلة سيكون من خلال اسقاط رصانة علميته”.
واستدرك: “لكننا صدمنا حينما وجدنا لجنة التعليم العالي تعد تعديلاً جديداً لقانون التعليم العالي الاهلي الذي شرع في دورتنا الثالثة لمجلس النواب، وحرصنا فيه على تثبيت ركائز الرصانة في القطاع الخاص الذي نجده شريكا مهما في انجاح التعليم العالي”.
وأوضح عضو لجنة التعليم العالي في الدورة البرلمانية السابقة، أن “خطورة هذا التعديل تكمن في استبدال الهيئة العلمية المؤسسة والمتكونة من أساتذة بدرجة استاذ واستاذ مساعد والتي يفترض يكون دورها ضمان الرصانة العلمية والاكاديمية للجامعات، واحلال مكانها المستثمر”.
وأضاف أن “المستثمر سيصبح هو الآمر الناهي في مستقبل الجامعة ومقدراتها العلمية بالمستثمر، وبالتالي تكون (الجامعة) رهينة للمستثمر وأمواله، وهو ما يعيد النظرة السابقة بأن التعليم الاهلي في العراق خارج الضوابط العلمية”.
وأشار النائب السابق إلى أن “القانون النافذ يشترط وجود هيئة علمية مؤسسة من الاساتذة ذوي الامكانية العلمية والخبرة، ليتم منح الجامعة او الكلية اجازة التأسيس، وكنا قد تركنا صلاحيات هذا المجلس إلى تعليمات الوزارة حينها والتي للأسف لم تضع في التعليمات صلاحيات هذه الهيئة وافرغتها من السبب الذي وجدت من اجله”.
وأكد أن “التعديل يهدف إلى الغاء هذه الهيئة العلمية واستبدالها بالمستثمر نفسه وأشخاص اخرين، لا يشترط بهم الشهادة العلمية العليا، وهذا مكمن الخطر الذي نتمنى من اخواننا في مجلس النواب التصدي له واحباطه”.
ولفت إلى أن “ذلك قد يعني تحول مجالس الجامعات إلى مجالس عائلية للعوائل المالكة لها، وبالتالي لا محددات علمية لمنح الشهادات من خلال صلاحية المصادقة عليها لدى هذا المجلس، وهو ما ينسف جميع جهود الخيرين الذين عملوا على اعادة التعليم العالي في العراق إلى جادة التصنيفات الدولية”.
وأبدى الشمري استغرابه من “موقف نقابة الأكاديميين التي لم تحرك ساكناً ولم تدافع عن دورها الرقابي في الجامعات الاهلية”، داعياً “رئيس مجلس النواب واعضاء مجلس النواب وزير التعليم العالي والزملاء الى منع تمرير هذا التعديل الذي يسلم مستقبل أبنائنا بيد مجموعة مستثمرين لا يفكرون إلا بالربح المالي الأكثر”.
وشدد قائلاً: “لا ترهنوا التعليم الاهلي بيد المستثمرين، وأوقفوا التصويت على تعديل القانون الذي تسعى اليه مجموعة متنفذة في لجنة التعليم العالي”.
واقترح ان “يتضمن التعديل بدل ذلك، تحديد مهام الهيئة المؤسسة العلمية والإدارية والاشرافية على الجامعة، وبذلك لا يستطيع المستثمرون تحييد دورها في الحفاظ على رصانة الجامعة”.
وتستمر صفقات الفساد في العراق، واحدة تلو الأخرى وسط صدمة وذهول شعبي من ما يحصل في العراق من فساد وصل الى مراحل خطيرة جدا، وبات مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار.
الدلالات على تراكمات الفساد باتت جلية في الانحطاط الأخلاقي الذي وصل له التعليم آخرها ما حصل في جامعة تكريت، إثر مقتل أحد منتسبي الأمن بالجامعة، في 10 نيسان الجاري، على يد أستاذ جامعي خلال محاولة عنصر الامن الإطاحة بـ”ممارسات غير أخلاقية” للأستاذ داخل عجلته مستغلا طالبة كانت بجانبه.
ويعاني التعليم العالي في البلاد من اختلالات هيكلية مرتبطة بفشل الدولة على عدة مستويات والفساد المستشري الذي أنتج اختلالا شاملا في الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدى المؤسسات التي تصنع القرارات وترسم السياسات.
وينسحب الفساد المستشري في مفاصل الدولة كلها على وزارة التعليم العالي التي تخلت عن دورها التخطيطي والرقابي وسمحت لجهات غير تخصصية خارج الوزارة بإجراء معادلة الشهادات حتى لو كانت مزورة.
وكان نتيجة ذلك كله أن الجامعات العراقية أصبحت خارج تصنيف شنغهاي لـ1000 جامعة بالعالم في سنة 2024، إذ خلا هذا التصنيف الذي نشرته جامعة “جياو تنغ” في شنغهاي من أيّ جامعة عراقية.
يعد التزوير في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 جريمة مخلة بالشرف، حيث نصت المادة 289 من القانون المذكور على أن يعاقب على جريمة التزوير “بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة لكل من ارتكب تزويراً في محرر حكومي”، بالإضافة إلى المادة 291 من قانون العقوبات العراقي التي تشير إلى أن جريمة التزوير “يستحق مرتكبها العزل عن منصبه واستعادة كافة الرواتب التي صرفت له”.
ووفقا لتصنيفات منظمة اليونسكو، فإن العراق كان يتبوأ المراتب الأولى عالميا في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه وفق التصنيف الأخير، جاء العراق ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية بما يتجاوز 47 بالمئة، في ظل وجود أكثر من 11 مليون أمّي في البلد.
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق اصدرت، في 2021، قرارا رسميا يقضي بتعليق دراسة مواطنيها في 3 جامعات لبنانية خاصة بشكل فوري “لعدم التزامها بمعايير الرصانة العلمية”، وهي الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان وجامعة الجنان، وذلك بعد الكشف عن حصول مسؤولين وسياسيين على شهادات من بين 27 ألف شهادة عليا مزورة (ماجستير ودكتوراه) حصل عليها طلاب عراقيون من ثلاث جامعات لبنانية.
والغى العراق مؤخرا الاعتراف بـ 1732 جامعة حول العالم في مقدمتها 441 جامعة في الولايات المتحدة تليها 78 جامعة في تركيا و 76 جامعة في اليابان و 70 جامعة في هنغاريا و 66 في روسيا و 65 في المانيا و48 في ايطاليا و 46 في بريطانيا و 44 في السويد وغيرها.
ولا يمكن، على وجه الدقة، تحديد ما خصصته الحكومات العراقية من أموال لقطاع التعليم منذ العام 2003 حتى الان، حيث إن هذه الأرقام تتغير بشكل دوري مع تغيّر الموازنات الحكومية وأولوياتها كل عام، إن وجدت، لكن تقارير الحكومة تشير إلى أن نسبة الإنفاق على التعليم -وزارتا التعليم العالي والتربية- يتراوح بين 4% و8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، منذ العام 2003 حتى العام 2021.
وأظهرت إحصائية لمنظمة التعليم العالمي وهي منظمة دولية لها مقر في بغداد نسب تزوير الشهادات في محافظات العراق خلال سنتي 2007 – 2008، إذ احتلت فيها محافظة البصرة المركز الأول بواقع تزوير نسبته 19 في المئة تلتها العاصمة بغداد بفارق نصف درجة، وكانت أقل المحافظات نسبة محافظة المثنى الواقعة جنوب غربي العراق بنسبة 2 في المئة، مبينة أن الكثير من المسؤولين، الوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة، يحملون شهادات مزوّرة صادرة من جامعات معروفة أو غير معروفة وأن هؤلاء يحظون بامتيازات الشهادة رغم الكشف عن بطلانها ما جعل الشهادة العلمية لا قيمة لها في نظر الشارع العراقي، والغريب أن أحدا من المسؤولين لم يُحاسب على تزويره وتحايله على القانون، وأن عددا من النواب لا يحمل أيّ مؤهّل علمي أو شهادة أكاديمية سليمة، وأنه مارس التزوير عند ترشيحه للبرلمان في الدورات كلها.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- آلية جديدة لتنظيم البناء في الأراضي الزراعية
- حول ناحية الخيرات الى قضاء.. مجلس كربلاء يصوت على استحداث (5) نواحي جديدة في ثلاثة اقضية
- تعقيباً على دعوة الجولاني.. السوداني في البرلمان قريباً