- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصياغة الجامدة والصياغة المرنة للتشريع

بقلم: القاضي أريج خليل
للصياغة التشريعية أهمية كبيرة في تجويد النظام القانوني للدولة وتنقيته من كافة الشوائب التي قد تعلق به بسبب حالة عدم الاستقرار التي قد يعاني منها من جراء كثرة التعديلات التي يتم اجراؤها على التشريعات، وأن الصياغة التشريعية الدقيقة تمنع حدوث تضارب المصالح بين كافة فئات المجتمع المخاطبين بأحكام القانون.
وتقسم الصياغة التشريعية الى صياغة جامدة وصيانة مرنة، ويقصد بالصيانة الجامدة التعبير عن حكم القانون بألفاظ وعبارات لا تحتمل التقدير، لأنها تعبر عن الالتزام القانوني بطريقة قاطعة ومحددة لا تحتمل الشك والرجحان وتعطي ثباتا للنص القانوني وتستخدم في النصوص التي لا يمكن الاجتهاد فيها ومثال ذلك النصوص القانونية المتعلقة بمدد التقادم ومدد الطعن والسقوط، والصياغة الجامدة تؤدي إلى حرمان القاضي من سلطة التقدير عند تطبيق القاعدة القانونية، وتعتبر صياغة القاعدة القانونية جامدة اذا كانت تتضمن افتراضا معينا او حلا ثابتا لا يتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات فيكون القاضي ملزما بتطبيق القاعدة القانونية الجامدة بمجرد توافر عناصرها كون ان الصياغة الجامدة تحدد المخاطب بالقاعدة القانونية وتحدد الواقعة وأثرها ويكون ذلك بوصف منضبط لا يدع مجالا للتأويل.
وتمتاز الصياغة التشريعية الجامدة بالثبات وإقرار الأمن في المجتمع ولا تتفاوت باجتهاد القضاة وتؤدي الى سهولة فض النزاعات لان كل فرد يدرك مركزه القانوني فضلا عن انها تجعل دور القاضي دورا واضحا في تطبيق القانون دون اجتهاد الا ان فيها عيوبا ايضا تتمثل بأنها بسبب جمودها تعجز عن ملاحقة التطورات وما يستجد من حالات ووقائع عند التمسك بها فهي لا تستوعب المتغيرات لان الصياغة الجامدة تسعى الى تحقيق العدل المجرد اما الصياغة المرنة وان كانت تحقق عدلا اكثر بالتطبيق لانها تاخذ بنظر الاعتبار ظروف وملابسات كل حالة على حدة الا ان ذلك يتم على حساب الأمن والاستقرار في المعاملات وفي المراكز القانونية للافراد لأنها تمنح القاضي سلطة تقديرية واسعة وتجعل الافراد غير مدركين على سبيل الجزم النتائج المترتبة على أفعالهم.
ويقصد بالصياغة المرنة التعبير عن حكم القانون بألفاظ وعبارات واسعة المعنى تسمح بتغيير الحلول تبعا للظروف والأحوال فهي تعبر عن الالتزام القانوني بعبارات مرنة وتستخدم في مواجهة حالات ووقائع لا يمكن تحديدها حصرا عند صياغة النص التشريعي وهذه القاعدة التشريعية المرنة تعطي للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تطبيقها استجابة لظروف ومقتضيات العدالة وتجعل النص القانوني صالح للتطبيق على أحداث عديدة ومناسب لأزمنة مختلفة وطويلة وتجعل التشريعات رصينة تسري فيها روح التشريع ومن أمثلة القواعد القانونية المرنة الدنيا والقصوى للعقوبة وترك الحرية للقاضي بتطبيق العقوبة المناسبة بين هذين الحدين طبقا لظروف كل دعوى.
ان كلا النوعين أعلاه مهمان عند صياغة التشريع لان الأصل ان تكون القاعدة القانونية منضبطة ومحددة وتوجد حالات كثيرة تصاغ فيها القواعد بصورة مرنة تتوافق مع الظروف المتغيرة وما قد يستجد من وقائع وتطورات في المجتمع، وأن صياغة التشريعات سواء كانت جامدة او مرنة يجب أن تحدد فاعلية التشريع بالشكل الذي يمنع تضارب التشريعات ويحد من ظاهرة الإسراف التشريعي ويعمل على تحقيق الردع العام والردع الخاص في العقوبات الجزائية، وهذا يحتاج إلى دعوة المتخصصين وأهل الرأي للإدلاء بآرائهم في مشروع القانون قبل إصداره لتجنب الثغرات القانونية التي قد تؤدي إلى استحالة تطبيق التشريع على أرض الواقع وبالتالي لا يكون له اي اثر ويكون إصداره من قبيل الإسراف التشريعي.