
اكد ممثل المرجعية الدينية العليا ان الظروف الحالية التي تمر بهذه المنطقة بالغة الخطورة والشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم فيها عاجلا او آجلا، مؤكدا ان على من بيدهم الامور ان يتقوا الله ويحكموا ضمائرهم ويراعوا في قراراتهم وتصرفاتهم مصلحة شعبهم، وبلدهم، والمنطقة كلها، لان مصالح شعوبها مترابطة ومتشابكة، مذكرا بما جاء ببيان سابق للمرجعية الدينية الذي اكدت فيه انه ينبغي للعراقيين ولاسيما النخب الواعية ان يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها ويبذلوا قصارى جهودهم في تجاوز اخفاقاتها، ويعملوا بجد في سبيل تحقيق مستقبل افضل لبلدهم، ينعم فيه الجميع بالامن، والاستقرار، والرقي، والازدهار.
وقال المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ "عبد المهدي الكربلائي" خلال كلمته في فعالية رفع راية الحزن لحلول شهر محرم الحرام التي حضرتها وكالة نون الخبرية " دخلنا الآن العام الهجري (1447) وهل هلال الاحزان في هذا العام متزامنا مع احداث مؤلمة وقعت في منطقنا، واوضاع خطيرة تمر بها، وبهذه المناسبة اشير الى امور عدة:
اولا: لقد اوصى أئمة اهل البيت (عليهم السلام) بعد فاجعة الطف باحياء تلك الفاجعة الكبرى واستذكارها باستمرار، بالنظر لما بلغه العداء للعترة الطاهرة (عليهم السلام) فيها، من اعلى درجات الاجرام بحقهم وهتك حرماتهم، وبالمقابل مستوى التضحية التي بذلها سيد الشهداء (عليه السلام) واهل بيته واصحابه في سبيل احياء الدين، ومقارعة الظلم، واماتت البدع، حتى اصبح موقفهم المثل الاعلى لجميع القيم الالهية والانسانية النبيلة، تحرك العقول وتهز الضمائر وتوقظ القلوب وتحيي النفوس وتثير العواطف، وعلينا ان يكون لدينا الوعي والبصيرة بحقيقة الشعائر الحسينية ونسعى الى العمل بهذه الحقيقة، وهي في جوهرها نوع عبادة يراد بها التقرب الى الله تعالى بالمواساة مع نبيه المصطفى وآله الاطهار فيما حل بهم في فاجعة الطف، فلابد ان ننطلق فيها من دوافع الهية محضة ونحافظ على انها طريقا الى الله تعالى، ونكون على وعي وبصيرة بحقيقتها الالهية واهدافها السامية التي ضحى من اجلها الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته واصحابه الكرام"، مشيرا الى ان "اقامة المآتم واظهار الحزن والأسى بمختلف أساليبه المعهودة عند محبي اهل البيت (عليهم السلام)، وان كانت هي المرتكز الاساس في احياء المبادئ والاهداف الحسينية، ولكنها تبقى طريقا لابد من ان يوصل سلوكه الى جوهر تلك المبادئ والاهداف المتمثلة باحياء معالم الدين وفرائضه وسننه، وقد قال الامام الحسين (عليه السلام) في طريقه الى كربلاء معبرا عن الاهداف الالهية لخروجه" اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر"، فهذا الواجب الالهي هو من اعظم الواجبات الدينية، وافضل الطاعات، به تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتصلح الامة، وتحل المكاسب، فحافظوا على اداء هذا الواجب العظيم في بيوتكم، واسواقكم، ومجالسكم، ومؤسساتكم، ولا يتوهم احد انه مهمة رجال الدين فقط، بل هو واجب الجميع كل بحسب موقعه وضرفه، ولكن لابد من مراعاة شروطه والالتزام بضوابطه وعدم التخلف عنها، والا ادى ذلك الى نتائج معكوسة احيانا".
ثانيا: لاشك في ان السنة الالهية في هذه الحياة قائمة على الابتلاء والاختبار لتمحيص المؤمنين وتمييز المجاهدين الصابرين عن غيرهم، في صراع مستمر بين الحق وانصاره والباطل واعوانه الى قيام الساعة، وستبقى ثورة الامام الحسين (عليه السلام) نبراسا يبصرنا بما علينا ان نقوم به في هذا الصراع والتقابل بين نهجين، نهجه (عليه السلام) في الدفاع عن الحق، والعدالة، والحرية، والكرامة الانسانية، وحفظ الناس من الضلال والفساد والانحراف، والدفاع عن المستضعفين والمظلومين الذين لا يجدون ناصرا الا الله تعالى، والنهج الآخر المبني على التعدي، والظلم، والطغيان، والانحراف عن الحق، وما شهدته منطقتنا ولاسيما في العام الهجري المنصرم (1446) من احداث معروفة انما يمثل معركة من المعارك المحتدمة بين جبهة تدافع عن الحق، والعدالة، والخير، وجبهة يتمثل فيها الظلم، والطغيان، والشر بأبشع صورها، بحيث فاق كل الحدود المتصورة، واذا كانت هذه المعركة التي لا تزال قائمة قد استنزفت دماء غزيرة وعزيزة، وادت الى الكثير من الاذى والضرر بإخوتنا واخواتنا تشريدا وتجويعا وتخريبا لبيوتهم وممتلكاتهم وغير ذلك، وقدم فيها اصحاب الحق تضحيات جسيمة قل نظيرها، الا ان ذلك كله لا ينبغي ان يؤدي الى الشعور بالضعف والانكسار، بل لابد في جميع الاحوال تقوية العزائم للمضي قدما في سبيل تدارك الاخفاقات الواقعة، والتغلب على الضعف بأساليب صحيحة بعيدة عن الاوهام والتمنيات".
ثالثا: ان المعركة بين الحق والباطل تحتدم حينا وتهدأ احيانا، وتشهد صولات وجولات على مر الزمان، ولابد لاهل الحق من ان يتبصروا ويتثبتوا ولا ينخدعوا ببعض المظاهر المزيفة والشعارات الرنانة، وليأخذ اولياء الامور العبر والدروس مما وقع من مآس تجل عن الوصف، وخسائر كبرى لم يحدث مثلها منذ زمن بعيد".
رابعا: ان الظروف الحالية التي تمر بهذه المنطقة بالغة الخطورة والشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم فيها عاجلا او آجلا، فلابد من ان يتنبه العراقيون الى ذلك ويتسلحوا بالوعي والبصيرة في التعامل معها، ويهتموا بما يصلح امورهم بعيدا عن بعض المظاهر الخداعة، وليعلموا انهم ما لم يسعوا بجد في بناء بلدهم على اسس صحيحة فإن مستقبلهم لا يكون افضل من حاضرهم، كما ان على من بيدهم الامور ان يتقوا الله ويحكموا ضمائرهم ويراعوا في قراراتهم وتصرفاتهم مصلحة شعبهم، وبلدهم، والمنطقة كلها، لان مصالح شعوبها مترابطة ومتشابكة".
خامسا: ان الشعب العراقي الكريم الذي ضحى لسنوات طويلة في سبيل التخلص من الاستبداد وارساء آليات دستورية تضمن التداول السلمي للسلطة وعدم العود به الى عهد الظلم، والقهر، وسحق الكرامة الانسانية، سيبقى عازما على الحفاظ على هذه المكتسبات بكل قوة وعدم الرجوع الى الوراء على اي حال، وان كان يشعر بمرارة الاخطاء الكبيرة، والاخفاقات المتوالية، والسلبيات المتراكمة، للكثيرين ممن تسنموا مواقع المسؤولية خلال العقدين الماضيين، ولكن يبقى الامل قائما في تصحيح المسار وتدارك ما فات، ولا يكون ذلك الا وفق ما اشارت اليه المرجعية الدينية في بيان سابق لها حيث صرحت بالقول انه ينبغي للعراقيين ولاسيما النخب الواعية ان يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها ويبذلوا قصارى جهودهم في تجاوز اخفاقاتها، ويعملوا بجد في سبيل تحقيق مستقبل افضل لبلدهم، ينعم فيه الجميع بالامن، والاستقرار، والرقي، والازدهار، وذلك لا يتسنى من دون اداء خطط علمية وعملية لادارة البلد اعتمادا على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات".
أقرأ ايضاً
- إيران تطالب أذربيجان بالتحقيق في استخدام إسرائيل لأجوائها.. كيف جاء رد علييف؟
- بوتين يعتبر أن الصراع بين إسرائيل وإيران أصبح من الماضي
- رئيس جمهورية العراق يشيد بجهود أمير قطر لوقف النار بين إيران و"إسرائيل"