
مع بدء العد التنازلي لاستقبال وفودٍ من احدى وعشرين دولة عربية للمشاركة بالقمة الرابعة والثلاثين التي ستعقد في العاصمة بغداد، بعد ثلاثة عشر عاما من الانتظار، يستمر الجدل داخل الأوساط المحلية حول حضور قادة الدول وحيثياتها على الساحة العراقية.
وفي هذا الإطار، كشف السياسي سالم مشكور، اليوم الاثنين، عن عروض و تنازلات قدمتها الحكومة العراقية مقابل حضور بعض قادة الدول إلى القمة، مؤكدا أن جميع القمم العربية إجراء روتيني لا جدوى منه، واصفا الجامعة العربية بـ”الميتة سريريا”.
وقال مشكور في حوار متلفز، “إنني لست معارضا لعقد القمة العربية في بغداد، لكنني معارض لما يجري في الساحة العراقية من تهافت وتحضير لهذه القمة وكأنها إنجاز كبير سيتحقق للعراق”، مبينا أن “جميع القمم هي إجراء روتيني لا جدوى منه في حين أن الجامعة العربية هي ميتة سريريا منذ عقدين من الزمن”.
وانتقد مشكور :”التهافت والاندفاع من قبل الحكومة وتقديم العروض والتنازلات من أجل حضور رئيس دولة أو سمو أمير معين، إن حضر يأتي بطيارته الشخصية الساعة العاشرة صباحا ويغادر الثالثة بعد الظهر”، مؤكدا أن “بعض قادة الدول يستنكفون المبيت في العراق”.
وتابع أن “موقع العراق الجيوسياسي وحده يعطي للعراق مكانته في المنطقة”، لافتا إلى أن “بعض القادة فرضوا شروطا من أجل المشاركة في القمة”.
وأكد أن “الموقف الخليجي طالب العراق بإلغاء قرار المحكمة الإتحادية بشأن اتفاقية خور عبد الله من أجل الحضور للقمة، كذلك موقف بعض القادة من العلاقة مع سوريا وحالة الاندفاع غير المبرر نحوها، في حين أن العراق قد انكوى بنار النظام السوري السابق الذي كان يرسل المفخخات والانتحاريين”، مؤكدا :”نحن نريد علاقات جيدة مع سوريا ولكن لا نتصرف وكأننا محتاجون لها”.
وتشهد العاصمة العراقية بغداد، خلال هذه الأيام، نهضةً تجميليةً واسعةَ النطاق، استعداداً لاستضافة القمة العربية المرتقبة، حيث رُصدت مبالغ مالية ضخمة لتنظيف وتجميل أرجاء المدينة التي ستستقبل قادة الدول العربية، وتأتي هذه القمة في ظرف إقليمي ودولي بالغ الحساسية، مما يجعلها محطَّ أنظار المراقبين والمحللين السياسيين على الصعيدين المحلي والإقليمي.
وتستضيف بغداد في 17 أيار الجاري، اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الـ34 على مستوى القمة، بعد 13 عاما من الإنتظار، حيث من المقرر أن تناقش العديد من القضايا ابرزها التطورات السورية وملف السودان وتداعيات المحادثات وتقلبات الاقتصاد.
حيث من المقرر أن يشارك الوفود من احدى وعشرين دولة عربية، وهي البحرين والاردن وقطر ومصر والامارات، اضافة الى السعودية وفلسطين وسوريا وجيبوتي وموريتانيا والاتحاد القمري واليمن وليبيا والكويت والصومال، ناهيك عن لبنان والمغرب وعُمان وتونس والجزائر والسودان.
وكان رئيس الوزراء محمد السوداني، أكد أمس الأحد، في مقابلة مع الصحفي الأميركي تيم كونستانتين، أن حضور الرئيس السوري، إلى القمة “مهم جدا لإيضاح رؤية سوريا الجديدة”، مبينا أن استضافة القمة العربية في بغداد مهمة لتأكيد دور العراق وعلاقاته المتوازنة في المنطقة، فيما شدد على أنه “لن نكون مجرد بلد مستضيف، بل مبادر لتقديم الحلول لمختلف الأزمات التي يمر بها الشرق الأوسط”.
ويشتد الجدل داخل الأوساط السياسية العراقية منذ أشهر حول توجيه رئيس الوزراء دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة، وهو ما قوبل بمواقف متباينة بين مرحبة ورافضة، خاصة داخل قوى “الإطار التنسيقي”، إلا أن الأخير فوض مؤخرا رئيس الوزراء محمد السوداني، باتخاذ القرار بشأن مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع، في القمة العربية المرتقبة بعد أشهر من الخلافات والتصعيد.
وفي 27 نيسان الماضي، تسلم فيه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، دعوة رسمية من العراق لحضور فعاليات القمة العربية في 17 آيار 2025.
يأتي ذلك بالتزامن مع قضية اتفاقية خور عبد الله، التي تمثل واحدة من أبرز الملفات المثيرة للجدل في المشهد السياسي العراقي، خاصة وأنها جاءت في فترة حساسة تمر بها البلاد، بين الاستعدادات الجارية للقمة العربية التي ستجري خلال أيام، وبين سباق التحالفات السياسية قبيل الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل.
وبدأت قصة اتفاقية خور عبد الله، في أيلول 2023، حيث أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا يقضي بعدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، التي تم توقيعها بين العراق والكويت عام 2012 وصادق عليها البرلمان العراقي في 2013.
واستندت المحكمة في حكمها إلى أن التصديق على الاتفاقية لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب، كما تنص المادة 61 من الدستور العراقي.
إلا أن هذا القرار أثار استياء واسعا في الكويت، حيث اعتبرته الحكومة الكويتية “ادعاءات تاريخية باطلة”.
وسلمت الكويت مذكرة احتجاج رسمية للسفير العراقي لديها، معربة عن رفضها القاطع للحكم ومطالبة بغداد باتخاذ خطوات لمعالجة تداعياته.
ووصف وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، الحكم بأنه يحتوي على “مغالطات تاريخية”، مؤكدا أن بلاده تتوقع من الحكومة العراقية اتخاذ “إجراءات ملموسة وحاسمة وعاجلة” لمعالجة هذا الأمر.
فيما أكدت الحكومة العراقية التزامها بالاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مشددة على أهمية احترام وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين العراق والكويت وفق السياقات الدستورية والقانونية.
إلا أنه في 15 نيسان الماضي، قدم كل من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد طعنا بقرار المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية، وجاء هذا الطعن في إطار سعي الحكومة العراقية للحفاظ على العلاقات الثنائية مع الكويت وتجنب أي توترات قد تنجم عن هذا القرار القضائي، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في العراق، وسط اتهامات لرئيس الوزراء محمد السوداني بالتدخل لعرقلة تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء اتفاقية خور عبد الله المبرمة مع الجانب الكويتي، وذلك استنادا إلى ما قالوا إنها وثيقة بحوزتهم.
في المقابل، أعلن نواب عزمهم تقديم شكوى رسمية ضد رئيس الوزراء إلى الادعاء العام، على خلفية ما وصفوه بمخالفة قانونية لقرار صادر عن أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وكان القاضي والوزير السابق وائل عبد اللطيف، أكد في حينها أن “اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت تشوبها مخالفات قانونية ودستورية جسيمة”، مشددا على أن “قرار المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية سليم بنسبة 100% ولا يمكن الطعن فيه، باعتباره قرارا باتا وملزما للجميع”.
وكشف النائب علاء الحيدري، عن تقديم الكويت رشاوى لأطراف عراقية تصل إلى 600 مليار دولار لتمرير اتفاقية خور عبد الله، فيما حذر النائب المستقل هيثم الزركاني، رئيس الوزراء محمد السوداني من “يوم أسود” في حال التنازل عن خور عبد الله.
وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، فقد تم تقسيم خور عبد الله مناصفة بين العراق والكويت، فالحدود تبدأ من العلامة 107 إلى 110 وتمثل خط الساحل بين الجانبين، أي تكون المياه للعراق واليابسة للكويت، ومن النقطة 111 إلى 134 هو خور شيطانة، وتمثل خط التالوك لمجرى الينابيع العذبة، وبالتالي أصبح المجال البحري للعراق أكبر من مجال الجانب الكويتي، ومن النقطة 134 إلى 162 هو خور عبد الله، ويكون مناصفة بين العراق والكويت، أي الجزء الشمالي للعراق والجنوبي للكويت، فيما ترك القرار، ما بعد العلامة 162، ولم يرسمها، ورهن تحديدها بمفاوضات بين العراق والكويت.
أقرأ ايضاً
- العراق يوقف عمليات الإعدام بعد إقرار قانون العفو العام
- المستشار السياسي لرئيس الوزراء ينفي بناء مصافٍ خارج العراق
- ملك السعودية يتلقى دعوة من رئيس جمهورية العراق لحضور "القمة العربية"