
يبدو أن الأزمة بين بغداد وأربيل، قد خرجت من أروقة ملف الرواتب المتجدد كل شهر، إلى تصعيد آخر طال ملف تهريب النفط عبر إقليم كردستان، حيث أصدرت وزارة النفط، بيانا غاضبا حملت فيه حكومة إقليم كردستان المسؤولية الكاملة عن تهريب النفط، فيما شككت لجنة النفط النيابية بقدرة بغداد على الإطلاع على أي عقد نفطي جرى في الإقليم أو زيارة الآبار النفطية هناك، مما ينذر بفصل جديد من الصراع قد تصل مستوياته إلى منحى خطير.
وذكرت وزارة النفط في بيان، أنها “تؤكد على ضرورة التزام حكومة إقليم كردستان، بالدستور، وقرارات المحكمة الاتحادية، والقوانين النافذة، ومنها قانون الموازنة العامة، الذي ألزم حكومة الإقليم بتسليم النفط المنتج من الحقول الواقعة فيه إلى وزارة النفط الاتحادية، لغرض تصديره ورفد الخزينة العامة بإيراداته، وقد سبق أن أرسلت الوزارة إلى حكومة الإقليم مخاطبات رسمية، ووفودا بشكل حثيث ومستمر لتحقيق ذلك دون جدوى”.
وأكدت الوزارة على “ضرورة المباشرة الفورية بتسليم النفط، تنفيذا لنص تعديل قانون الموازنة الذي جرى تشريعه بالاتفاق مع حكومة الإقليم، وضرورة عدم تنصل حكومة الإقليم عن التزاماتها”.
وتابعت الوزارة، أن “الاستمرار بعدم تسليم النفط يسبب خسائر مالية كبرى للعراق، ويعرض سمعة العراق الدولية والتزاماته النفطية للضرر، حيث أدى عدم التزام حكومة الإقليم بالدستور والقانون إلى خسارة الصادرات النفطية العراقية والخزينة العامة مرتين: الأولى بعدم استلام وتصدير النفط المنتج في الإقليم والاستفادة من إيراداته، والخسارة الثانية باضطرار وزارة النفط الاتحادية لتخفيض الإنتاج من باقي الحقول النفطية خارج الإقليم، التزاما بحصة العراق في منظمة أوبك، التي تحتسب إنتاج الحقول الواقعة في الإقليم ضمن حصة العراق مهما كانت المخالفات المؤشرة”.
ولفتت الوزارة إلى أنها “تتابع المعلومات التي تبين استمرار عمليات تهريب النفط من الإقليم إلى خارج العراق، وتحمل الوزارة حكومة الإقليم المسؤولية القانونية الكاملة عن ذلك، وتحتفظ بحقها في الاستمرار بأخذ الاجراءات القانونية كافة في هذا الصدد”.
إلى ذلك شكك عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم الغريباوي، بقدرة وزارة النفط على ضبط الإقليم، متحديا إياها بالإطلاع على عقد واحد من العقود النفطية أو زيارة آبار النفط هناك.
وقال الغريباوي في حوار متلفز، إن “الإقليم لم يلتزم نهائيا بتوطين الرواتب حتى هذه اللحظة”، مبينا أن “هناك لجانا فرعية شُكلت في اللجنة المالية وكان هناك لقاء مع المصارف حيث الأخوة في الإقليم يتحججون بأن التوطين يحتاج إلى فترة طويلة، فيما أكدت شركة الكي كارد والمصارف أنهم قادرون على توطين الرواتب خلال 6 أشهر”، مبينا أن “هذا الكلام كان في عام 2023”.
وأضاف، أن “الإقليم لا يسمح لوزارة الرقابة بالتدخل في شؤون الإقليم”، متحديا وزارة النفط الاتحادية بأن “تكون مطلعة ولو على عقد رسمي واحد يتعلق بالعقود النفطية أو أن يسمحو لها بالتدقيق في العقود أو تدخل للحقول أو التعرف على عدد الآبار النفطية التي تعمل في الوقت الحالي”.
ويبقى ملف النفط والإيرادات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، أحد أكثر الملفات تعقيدا، حيث تتقاطع فيه الجوانب القانونية والسياسية.
وتأتي تلك التصريحات بالتزامن مع احتدام الخلاف بين أربيل وبغداد، حول قطع الأخيرة تمويل رواتب موظفي الإقليم، لاستيفاء الأخير حصته في الموازنة.
وتعود جذور الأزمة إلى الخلاف المزمن حول آلية توزيع الثروات والتزامات الطرفين، إذ تتمسك الحكومة الاتحادية في بغداد، بموقفها الذي يربط تحويل الأموال إلى الإقليم بتسليم كامل إيرادات النفط من حقول الإقليم، فضلا عن الجباية، والجمارك، والضرائب المحلية، باعتبارها من موارد الدولة السيادية التي يجب أن تدخل ضمن حسابات وزارة المالية.
وبموجب قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023–2025، خصص لإقليم كردستان نسبة 12.67% من إجمالي الإنفاق العام، مقابل التزامه بتسليم 400 ألف برميل نفط يوميا إلى شركة التسويق الوطنية “سومو” فضلا عن تحويل الإيرادات غير النفطية، والتي تشمل الضرائب والجباية والرسوم الجمركية المحلية.
تؤكد وزارة المالية الاتحادية، أن الإقليم لم يلتزم بهذه الضوابط، مشيرة إلى أن الإيرادات الكلية التي حققها الإقليم منذ بداية عام 2023 حتى نيسان 2025 بلغت نحو 19.9 تريليون دينار، في حين لم يتم تسليم سوى 598.5 مليار دينار منها إلى الخزينة الاتحادية.
في المقابل، تقول حكومة الإقليم إنها لم تتسلّم سوى 4.22 تريليونات دينار فقط من أصل 13.33 تريليون دينار مخصصة لرواتب الموظفين، أي ما يعادل 31% من مستحقاتها المالية، محذّرة من استخدام ملف الرواتب أداة للضغط السياسي.
وقد سبب هذا التصعيد توترا غير مسبوق، دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بزعامة مسعود البارزاني، إلى التلويح بالانسحاب من العملية السياسية بشكل كامل، بل حتى إعادة طرح ملف الاستفتاء، في محاولة للضغط على بغداد وحشد دعم دولي لحماية “الحقوق الدستورية” للإقليم، بحسب تعبير قياداته.
وكشفت صحيفة “ذا انسايدر”، مؤخرا، عن نفذ صبر السعودية على خرق العراق ودول أخرى في منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك” سقف الإنتاج، وهو ما أدى لخفض أسعار النفط وتهديد مشاريعها ورؤية العام 2030، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن غضب السعودية قد يدفعها لشن حرب أسعار تحد بها من تجاوز البلدان الثلاث.
وكان المحلل المالي والاستثماري، أليكس كيماني، قد حذر في تحليل لمواقع “أويل برايس في 14نيسان الماضي، من أن الضربة السعودية لأسواق النفط في مقتل تقترب، وقد تفاجأ بها دول أوبك خاصة بسبب تجاوزات الدول الثلاث.
وأكد أن “إعلان ثماني دول من تحالف (أوبك+) عن خطط لإنهاء تخفيضات الإنتاج الطوعية من خلال زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في أيار مايو المقبل، حسبما كشفت وكالة “رويترز” يوم 4 نيسان الماضي، سيدفع السعودية للتخلي عن دورها التقليدي منتجا موازنا للإنتاج والأسعار في أوبك، وأن هذه الخطوة السعودية المرجحة، “تستهدف توجيه رسالة قوية ضد الدول التي انتهكت اتفاقيات خفض الإنتاج مثل كازاخستان والإمارات والعراق خصوصا”.
أقرأ ايضاً
- استقرار أسعار الدولار في العراق مع الإغلاق قبل عطلة العيد
- ارتفاع أسعار الدولار أمام الدينار العراقي
- انخفاض أسعار النفط وبرنت دون الـ 65 دولاراً