
قبيل انتهاء الدورة البرلمانية (الخامسة)، يعود تعطيل الجلسات مرة أخرى إلى مجلس النواب، ليعكس حالة عجز هيكلي تتجاوز الخلافات المؤقتة، وتظهر أزمة نظامية في إدارة العملية السياسية العراقية، اثر احتدام الخلافات حول بعض القوانين، مما أفقد البرلمان بوصلته التشريعية وجعل مستقبله على المحك.
وفي هذا الأطار، انتقد النائب محمد جاسم استمرار تعطيل جلسات مجلس النواب نتيجة لتغيب عدد من النواب عن حضور الجلسات، فيما شدد على ضرورة تطبيق النظام الداخلي للمجلس واتخاذ إجراءات صارمة لضمان سير أعمال الجلسات وعدم تعطيل انعقاد البرلمان.
ومنذ بداية الدورة النيابية في كانون الثاني 2022، عقد مجلس النواب العراقي 132 جلسة فقط، في حين ينص النظام الداخلي على عقد 256 جلسة سنوياً، كما حدد النظام الداخلي عقد 8 جلسات شهرياً، وفصلاً تشريعياً يمتد 4 أشهر، بواقع 32 جلسة في كل فصل.
وقال جاسم في تصريح تابعته وكالة نون الخبرية، إن “النظام الداخلي لمجلس النواب لا يزال غائبا عن التطبيق الفعلي، مما تسبب في تعطيل جلسات المجلس وعدم تحقق النصاب القانوني في العديد من الجلسات”.
وأضاف أن “رئاسة المجلس يجب أن تتخذ دورا أكبر في تطبيق النظام الداخلي، خاصة في ظل تغيب عشرات النواب عن حضور الجلسات، وهو ما يعوق سير العمل ويعرقل انعقاد البرلمان”.
ودعا جاسم إلى “اتخاذ إجراءات فعالة لضمان استمرارية انعقاد الجلسات من خلال تطبيق النظام الداخلي ومحاسبة النواب المتغيبين”، مشددا على أن “التغيب لا يمثل موقفًا سياسيا وإنما هو تعطيل لعمل المجلس وتشويش على أداء البرلمان”.
ومنذ انطلاق الدورة الخامسة للبرلمان، واجهت المؤسسة التشريعية تحديات كبيرة، أبرزها الانقسامات الحادة بين الكتل السياسية، وغياب التوافق حول الملفات الكبرى، ما انعكس سلبا على الأداءين التشريعي والرقابي، كما ساهمت هيمنة بعض الأطراف النافذة على قرارات البرلمان في إضعاف دوره، وتراجع ثقة المواطنين بفعاليته، خصوصا مع تكرار تعطيل الجلسات وتغييب القوانين الإصلاحية، مما دفع عددا من النواب إلى طرح خيار حل البرلمان كمدخل لإعادة بناء المشهد السياسي وفق أسس جديدة.
واتهم النائب المستقل رائد المالكي، في 15 نيسان الجاري، جهات سياسية وموظف في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالوقوف وراء تعطيل جلسات مجلس النواب، بهدف إفشال إدراج تعديل قانون الانتخابات على جدول الأعمال، محملا رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل السياسية مسؤولية ما يجري.
ويشهد البرلمان، خلال الفترة الماضية، صراع على استحداث عدد من المحافظات أسوة بحلبجة التي صوت عليها البرلمان في 14 من الشهري الجاري والجدل المستمر بشأنها كونها تمت بطريقة غير قانونية لعدم اكتمال النصاب.
كما اعلنت كتلة “الصادقون” النيابية، عزمها التحرك لإقالة رئاسة مجلس النواب بسبب “الإدارة المخالفة لجلسة اليوم”، فيما لوح النائب أمير المعموري خلال مؤتمر صحفي، باللجوء للمحكمة الاتحادية للطعن بالجلسة.
وحذّر النائب هادي السلامي، في حينها، من التبعات المحتملة لهذا القرار على وحدة البلاد، خاصة في ظل الظروف السياسية الدقيقة التي تمر بها البلاد، مما قد يفتح الباب أمام مطالب انفصالية أو تفكيك إداري في مناطق أخرى تتبع النهج ذاته الذي اتبع في حلبجة”.
فيما دعت كتلة بدر النيابية، إلى استحداث محافظة جديدة تضم تلعفر وسنجار وسهل نينوى، بهدف “إنقاذ المكونات العراقية من التهميش”، تعقيبا على استحداث حلبجة.
وكان النائب المستقل حسين السعبري، في 9 آذار الماضي، عن وجود توجه لحل مجلس النواب العراقي والذهاب لانتخابات مبكرة، في حال استمرار تعطيل جلساته.
ويخضع حل البرلمان في العراق للمادة 64 من الدستور العراقي، التي تنصّ على أن حل البرلمان يجري بإحدى طريقتين: إما بطلب من رئيس الحكومة وموافقة رئيس البرلمان، أو بطلب من ثلث أعضاء البرلمان على أن يجري التصويت على حله بالغالبية.
ويشهد مجلس النواب، تعطيلا مستمرا لجلساته، عبر عدم تحقق النصاب القانوني لعقدها، رغم إعلان جدول الأعمال وتحديد موعد الجلسة، فمنذ 16 شباط الماضي لم يتمكن البرلمان من عقد جلسة له بسبب الخلافات السياسية بين الكتل حول بعض القوانين، فيما جاء شهر رمضان ليزيد من التعطيل رغم الاعلان عن تحويل الجلسات إلى المساء.
ويواجه تعطيل جلسات البرلمان جملة انتقادات سياسية ونيابية، حيث اعتبرت هذا التعطيل غير مبرر من قبل رئاسة المجلس، خصوصا ان هناك قوانين جاهزة للتصويت وتحتاج الى عقد جلسات المجلس من اجل تشريعها وأبرزها قانون الحشد والموازنة وقانون الخدمة المدنية وسلم الرواتب وقانون النقابات وقرار نظام المحاولات.
وفقًا للقانون الانتخابي رقم 12 لسنة 2018 المعدل، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يومًا من انتهاء الدورة البرلمانية.
وبناءً على ذلك، من المتوقع أن تُجرى الانتخابات المقبلة في أواخر نوفمبر تشرين الثاني 2025.
وخلال الفترة الماضية، شهدت جلسات البرلمان الكثير من التلكؤ، وخاصة بعد تمرير القوانين الجدلية في سلة واحدة، وحتى قبلها كانت الجلسات تشهد كسر النصاب احتجاجا على تمرير القوانين.
ووفقا للنظام الداخلي، فأن السنة التشريعية للبرلمان من المفترض ان تعقد فيها 64 جلسة، مقسمة بواقع 32 جلسة في كل فصل تشريعي، إلا أن البرلمان لم يحققها.
وتوصف حصيلة مجلس النواب العراقي في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بـ”الضحلة”، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله.
وتأخذ محاولة تمرير أي قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.
ويعد تعطل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.
ويواجه البرلمان العراقي، عقبات كثيرة تمنعه من ممارسة دوره الرقابي في إستجواب المسؤولين ممن أشرت عليهم ملفات إخفاق في العمل والأداء وشبهات فساد وغيرها، إذ أنه لم يجر إلا استجوابات بنطاق محدود جدا، على الرغم من التصريحات المتكررة من قبل نواب عن تقصير وفساد في مفاصل الحكومة.
أقرأ ايضاً
- ارتفاع حالات التسمم في المطاعم بالعراق وتوصية نيابية بتفعيل الرقابة الصحية على المطاعم
- النائب علي شداد يحدد الموعد المتوقع لوصول جداول الموازنة إلى مجلس النواب ويؤكد أن الخلافات لا تزال قائمة
- بعد موجة نزوح جديدة ... العتبة الحسينية تواصل اغاثة العائلات السورية في لبنان منذ ثلاثة أشهر