- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مراجعة تأريخية.. العلويون بين الماضي والحاضر

بقلم: علي الراضي الخفاجي
قبل الحديث عن العلويين لابد من مراجعة تاريخية لنشأتهم، فقد شهد القرن الثالث الهجري ظهور حركات باطنية كثيرة ترك بعضها أثراً في الساحة، ومنها الطائفة النصيرية التي عرفت بهذا الاسم نسبة إلى أبي شعيب محمد بن نصير النميري(ت 270هج)، وبحكم طبيعتهم المغلقة واستقرارهم في سلسلة جبال البهراء شمال سوريا، خصوصاً في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث أنتجت الظروف السياسية متغيرات كان منها تسمية منطقتهم من قبل الفرنسيين عام 1920م (بلاد العلويين)، أدى ذلك لأن يدخلهم في مرحلة جديدة وتاريخ سياسي ملحوظ.
(ويتركز التوزيع الجغرافي لهذه الطائفة في محافظة اللاذقية حيث تكون الأغلبية، وفي محافظة طرطوس، إضافة إلى محافظتي حمص وحماه وقليل منهم في حلب، وأعداد متفرقة في القنيطرة والعاصمة دمشق). تاريخ العلويين، محمد أمين الطويل، ص/303.
وتشير الإحصاءات إلى أنَّ عددهم في سوريا يقرب من خمسة ملايين، وفي تركيا أكثر من ثمانية عشر، وقليل منهم في شمال العراق وفي لبنان، وفي لواء الاسكندرونة، وهم فئات وطرق متعددة أكثرهم يشهدون الشهادتين.
ويتميز التركيب الاجتماعي للنصيرية بالولاء المطلق للطائفة ومعتقداتها الدينية من جهة، وللعائلة أو العشيرة من جهة أخرى، ويقف وراء هذا الثبات الوضع الاقليمي الضيق الذي عاشوا فيه نتيجة العزلة الاجتماعية والجغرافية والسياسية، (وتتجزأ النصيرية إلى عشائر وقبائل متعددة، أهمها: عشائر الخياطين وابن علي والمهالبة والحدادون والمتاورة والدراوسة، والمحارزة والكلبية). العلويون النصيريون، أبو موسى الحريري، ص/191.
ولقد كان للسلطة الروحية المتمثلة بالشيوخ السلطة والتأثير على ممارساتهم ماجعلهم يحرصون على تراثهم أشدَّ الحرص، وقد تناولهم علماء الفرق والعقائد، منهم النوبختي (ت 300هج)، حيث قال: (وقد شذَّت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير، وكان يدَّعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري). فرق الشيعة، ص/78، كما ذكرهم ابن أبي الحديد في شرح النهج بالقول:(وكان محمد بن نصير من أصحاب الحسن بن علي فلما مات الحسين ادَّعى وكالة لابن الحسن الذي تقول الإمامية بإمامته، ففضحه الله تعالى بما أظهره من الإلحاد والغلو والقول بتناسخ الأرواح، ثم ادَّعى أنه رسول الله ونبي من قبل الله وأنه أرسله علي بن محمد وجحد إمامته الحسن العسكري وإمامة ابنه وادعى بعد ذلك الربوبية وقال بإباحة المحارم). شرح نهج البلاغة، 2: 309
ولعلَّ ماذكره الشيخ السبحاني عنهم فيه مزيد إيضاح، حيث قال: (الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمرٌ صعبٌ، لاسيَّما وأنهم اضطروا إلى التخفِّي والانطواء على أنفسهم، وعاشوا في ظل التقية، ومن يتصفح التاريخ يجد أنه لامندوحة لهم من التكتم والتحفظ في عقائدهم، فمعاجم الفرق مليئة بذمهم وتفسيقهم وتكفيرهم، وقد أخذ بعضهم عن بعض، ولايمكن الاعتماد على مانقلوه عنهم إلا بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة أو التعايش معهم في أوطانهم حتى ينجلي الحق ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أصولهم)، وفي موضع آخر اعتبر النصيرية فرقة بائدة، فقال: (إذا كانت النصيرية هي التي عرفها أصحاب المعاجم وغيرهم، فهذه الفرقة قد بادتْ، لاتجد أحداً يتبنى أفكارها بين المسلمين إلا إذا كان مغفلاً أو مغرضاً، وربما تكون بعض هذه النسب مما لا أصل له في الواقع، وإنما اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم، فإنَّ خصومهم من العباسيين شنوا حملة شعواء ودعايات مزيفة ومضللة ضدهم حتى يجد الباحث أنَّ الكتاب والمؤلفين المدعومين من قبل السلطات لايألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل حتى صارتْ حقائق راهنة في حق هؤلاء وتبعهم غير واحد من أصحابنا أحسن ظنهم بما كتب حولهم)، وعن أصل تسمية النصيرية ونسبتهم قال: (إنَّ هناك أقلاماً مغرضة حاولتْ أنْ تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فرقة النصيرية البائدة اعتماداً على أمور ينكرها العلويون اليوم قاطبة، وأظنُّ أنَّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوه صحيفة العلويين وتسودها فأقامت فيهم السيف والقتل والفتك والتشريد ولم تكتف بل أخذت بالافتراء عليهم لتنفر الناس من الاختلاط بهم، وأنهم زمرة وحشية همجية مما زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم). بحوث في الملل والنحل، 8: 397.
وفي النتيجة إنَّ العلويين كما هو اسمهم اليوم أضاعوا الكثير من أصولهم وانحرفوا عن عقائد الإمامية، حتى لجأوا إلى المسيحيين وتأثروا ببعض ممارساتهم لما تعرضوا له من اضطهاد وابتعاد عن الأصول الحقة، وماحدث في حقهم في الفترة الأخيرة من إبادة نتيجة تغيير الحكم في سوريا مرجعه إما تحميلهم جرائم وأخطاء السلطة كون رأسها ينتسب إليهم، وهذا لاينسجم مع العدالة والرحمة، لأنه أمر يخالف مبادئ الدين في احترام الآخر والعيش معه بأمن وسلام، أو محاولة لخلط الأوراق واستهداف الطائفة الشيعية الاثني عشرية من خلال إلحاق من شذَّ عنهم بهم، ويقع ذلك ضمن خطة تغيير خارطة المنطقة بالشكل الذي يحقق مشروع إسرائيل في توسيع دولتها، ووئد كلمة الرفض للمشروع التي ينادى بها الشيعة ويتبنوها بشكل علني وواضح.
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- دعوة للمراجعة والتغيير.. عن نظام القبول المركزي في الجامعات العراقية
- مدينة بابل بين الماضي والحاضر