- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الثامن عشر

بقلم: نزار حيدر
{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}.
في ذكرى إِستشهادِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في محرابِ صلاةِ الفجرِ في مسجدِ الكوفة [(١٩-٢١) رمضان المُبارك عام ٤٠ للهجرةِ] إِرتأَيتُ أَن أَطرحَ السُّؤَال التَّالي؛ كيفَ نقرأُ التَّاريخ؟! وما عِلاقتُنا بهِ؟! وبماذا ينفعُنا وكيفَ يُمكِنُ أَن يضرَّنا؟!.
هذهِ الأَسئلةُ بسيطةٌ وسهلةٌ جداً بمنطوقِها إِلَّا أَنَّها من أَعقدِ الأَسئلةِ التي اختلفَ عليها النَّاسُ، وتحدِيداً نحنُ المُسلمُونَ، لِما تحملُ في طيَّاتها من عُقدٍ وخِلافاتٍ وقنابِلَ مُتفجِّرةٍ جرَّت على الأُمَّةِ حرُوباً وصِراعات سالت بسببِها الدِّماءُ أَنهاراً إِمتدَّت لحدِّ الآنَ أَكثر من [١٤] قرنٍ وما زالت إِذ لم نرَ لحدِّ الآنَ نوراً في نِهايةِ النَّفقِ.
والمُرعِبُ المُخيفُ في الأَمرِ هو غَياب مَن يُمكنهُ أَن يضعَ حدّاً لهذهِ الحرُوبِ ولسببٍ بسيطٍ جدّاً أَلا وهوَ؛ أَنَّ الذين يعتاشُونَ ويُتاجِرونَ بإِشعالِ هذا النَّوعِ من الحرُوبِ [العبثيَّة] أَقوى بكثيرٍ من الذين يُحاوِلُونَ إطفاءَها وعلى كُلِّ المُستوياتِ، وما يُساعِدُ التجَّارَ هُم الهمجُ الرُّعاع وهُم أَغلبيَّةُ الأُمَّة.
والنَّاسُ بإِزاءِ الجوابِ على هذهِ الأَسئلةِ على ثلاثةِ أَنواعٍ:
أ/ المُنشغلُونَ بالتَّاريخِ المُتجاهلُونَ حاضرهُم ومُستقبلهُم.
وهُم الذينَ تركُوا عقُولهُم في كهُوفِ الماضي وعاشُوا الحاضر بأَجسامهِم فقط! {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}.
ب/ المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم المُتجاهلُونَ للتَّاريخِ.
وهُم الذينَ يُنكِرونَ تداعِيات الماضي على حاضرهِم، جهلاً أَو مُكابرةً، لا فرقُ فالنَّتيجةُ واحدةٌ.
ج/ المُستذكرُونَ التَّاريخ المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم.
وهُم الذين عرِفُوا أَهميَّة الماضي من دُونِ الإِنصهارِ بهِ.
ولكُلِّ واحدٍ من هؤُلاء فلسفتهُ وأَدلَّتهُ ومُنطلقاتهُ وفِهمهُ.
لا أُريدُ هُنا أَن أُناقشَ كُلَّ واحدٍ منهُم بما يذهبُ إِليهِ، فالنِّقاشُ هُنا، وبكُلِّ صراحةٍ ووضُوحٍ، عقيمٌ لا يُنتِجُ شيئاً جديداً فلَو كانَ ينفعُ لظهرَت آثارهُ الإِيجابيَّة في القرُونِ الـ [١٤] التي مضَت! إِلَّا أَنَّني أَعتقدُ بما يلي:
١/ نحنُ لم نصنَع التَّاريخ ولسنا جُزءاً منهُ، ولذلكَ لا ينبغي أَن نتحمَّل مسؤُوليَّتهُ كما لا ينبغي لنا أَن نسعى لتغييرهِ لأَنَّ التَّاريخَ فِعلٌ ماضٍ.
كذلكَ لا ينبغي أَن ننشغِلَ بإِصدارِ الأَحكامِ على التَّاريخِ بظرُوفِ الحاضرِ ومقاساتهِ {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} فهذا الجَوابُ كانَ يردُّ بهِ الرُّسُل والأَنبياء كُلَّما واجهُوا سُؤَالَ أَقوامهِم عن الماضي.
نعم نحنُ اليَوم نصنعُ تاريخاً ولذلكَ فنحنُ مسؤُولونَ عمَّا نفعلهُ اليَوم وما نُنجِزهُ بحسناتهِ وسيِّئاتهِ.
٢/ نحنُ نفهم الحَياة بالتَّاريخ، هذا صحيحٌ جدّاً، لكنَّنا نعيشُها بالحاضرِ والمُستقبلِ.
ومن أَجلِ فهمِ التَّاريخ كدرُوسٍ وعِبرٍ يوصي أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) ولدهُ الحسن السِّبط المُجتبى (ع) بقولهِ {واعْرِضْ عَلَيْه أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ وسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا وأَيْنَ حَلُّوا ونَزَلُوا}.
واجِبُنا إِذن أَن نتعلَّمَ في مدرسةِ التَّاريخ ولا نُقيمُ فيها، فالإِقامةُ فيها تُضيِّعُ علينا حاضِرنا ومُستقبلِنا، وبالتَّالي سيضيعُ علينا الماضي والحاضِر والمُستقبل، وهو حالُنا اليَوم!.
أَمَّا القرآن الكريم فيقولُ بنفسِ المعنى والمنهجيَّة {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}.
فالتَّاريخُ أَمثالٌ فحَسب! والعاقِلُ هو الذي يتجنَّبُ تِكرارَ أَسوأِها وأَتعسِها!.
٣/ الحاضرُ الحسَن يصنعُ مُستقبلاً حسناً والعكسُ هو الصَّحيحُ فالحاضرُ الرَّدئُ والسيِّء يصنعُ لنا مُستقبلاً رديئاً، ولهذا المعنى أَشارَ حديثِ رسُولِ الله (ص) بقَولهِ {جاهِدوا تُورِثُوا أَبناءكُم عِزّاً} ولذلكَ فإِنَّ الذينَ يحملُونَ همَّ المُستقبل ليضمِنُونَ أَحسنهُ للجيلِ الجديدِ، عليهِم أَن يحملُوا همَّ حاضرهِم ليصنعُوا منهُ قاعدةً حسنةً لمُستقبلِ أَجيالهِم، فكيفَ يريدُ الأَب مثلاً أَن يضمِنَ مُستقبلاً زاهِراً لأَولادهِ إِذا كانُوا يعيشُونَ حاضِراً تعيساً؟!.
وفي أَروعِ نصيحةٍ لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) بذلكَ قَولهُ {يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّه إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللَّه فِيه بِرِزْقِكَ}.
وقَولهُ (ع) {يَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ فَلَا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ، كَفَاكَ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى مَا فِيه فَإِنْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وإِنْ لَمْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ ولَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ ولَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْه غَالِبٌ ولَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ}.
أقرأ ايضاً
- أمثلة استغلال الديمقراطية.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء الثامن
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الثلاثون والأخير
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء التاسع والعشرون