- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التحقيق المالي الموازي (الاهمية - التقنيات - العقـبات)

بقلم: د. زينب عبد الكاظم حسن
في ظل التطور التكنولوجي والرقمي الذي يشهده العالم اليوم في كافة مجالات الحياة، برزت على السطح انشطة اجرامية على قدر كبير من الخطورة تدخل في اطار الاجرام المنظم، وقد رافق قيام الجريمة المنظمة بروز نشاطات اقتصادية واسعة غير مشروعة لفئات معينة أصبحت تجني اموالأ طائلة عن طريق نشاطاتها الإجرامية عبر ما يعرف بالشخصيات الواجهية، ولما كان كسب المال عن طريق الأنشطة المُجرمة محظور قانوناً لذلك فإن الدولة التي يقع فيها مثل هذا الأمر اضحت تلجأ الى مواجهة تلك الجماعات الاجرامية ومطاردتها لمنعها من الاستمرار في ممارسة تلك الاعمال، وعلى اثر كل ما تقدم الزمت منظمة العمل المالي الدولية المعروفة ب [Fatf] الدول الاعضاء فيها على تبني ما يُعرف (بالتحقيق المالي الموازي) كسبيل للحد من تنامي الثروات عبر سلوك طريق الجريمة .
ولما كانت الجرائم المالية او ذات الطابع المالي لها من التأثير على سمعة النظام المالي وتدني مستويات وارداته ما يكفي لان يدفع بمجلس القضاء الأعلى وبالتعاون مع هيئة النزاهة ومكتب مكافحة غسيل الاموال وبناءً على توصيات مجموعة العمل المالي(FATF) الى اطلاق الدليل الاول المتعلق بأجراء التحقيق المالي لعام٢٠٢٣ والذي تضمن من الإجراءات ما قد يُسهم بالحد من الاثار الخطيرة لتلك الجرائم.
ويقصد بالتحقيق الموازي أنَّ المحكمة وهي تشرع في التحقيق في إحدى الجرائم الأصلية التي يتصوَّر أنها ترتبط بمتحصلات مالية، تقوم بفتح تحقيق مالي بموازاة التحقيق الجنائي، تقوم في أثنائه بالبحث عن المتحصلات المالية للجريمة، وتتعقبها، وتقدِّم الأدلة لربط تلك المتحصلات المالية بالجريمة الأصلية، تطبيقا لمبدأ(تعقب المال لتصل الى الجاني)، ويسمى الاخير بالتحقيق المالي الابتدائي كونه يبدأ مع التحقيق الجزائي في الدعوى الاصلية. ويسمى موازياً كونه يبدأ بموازاة التحقيق الجنائي في تلك الدعوى.
اما عن الجهة القائمة بهذه التحقيقات بحسب دليل اجراءات التحقيق المالي العراقي لسنة 2023 فهي كلاً من محاكم التحقيق المختصة بنظر الجريمة الاصلية، ومكاتب مكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب. اما الجرائم المشمولة بأحكامه فهي الجرائم المالية وذات الطابع المالي والتي تنشأ عنها متحصلات مالية كجرائم الفساد المالي والاداري والمخدرات والسرقات وغسل الاموال وتمويل الارهاب وجرائم التهرب الضريبي والكمارك، وغيرها.
اما عن آلية الحصول على المعلومة اثناء التحقيق المالي الموازي بحسب الدليل فتتعدد مصادر المعلومات ومنها:المعلومات الجنائية، وهي السجل الجنائي الذي يحدِّد سوابق المتهم. والمعلومة التقنية: عبر ضبط الأجهزة الإلكترونية العائدة للمتهم، وهي من أهم مصادر المعلومات وأقواها، ويجب على رجال الضبط الجنائي المبادرة بتفريغ المعلومات التي تحويها هذه المصادر قبلَ تعرُّضها للتلف أو التخريب المتعمد. والمعلومات المالية التي يتم الحصول عليها من المؤسسات المالية، مثل: البنوك، وبورصات الأموال. دوائر التسجيل العقاري البنك المركزي كافة المصارف ومتابعة حركات السحب والايداع• والمعلومات المصنفة: التي ترتبط بالجانب الأمني.
ونشير اخيرا الى العقبات التي من الممكن ان تعترض طريق تطبيق ذلك الاجراء،اذ تواجه التحقيقات المالية الموازية صعوبة الإثبات في بعض الاحيان لان المتحصلات المالية يسهل إخفاؤها او تسجيلها باسم الغير او ما يسمى بالشخصيات الواجهية او ربما تنتقل بيد الغير حسن النية مما يتطلب من سلطات التحقيق بذل جهودا اكبر للتوصل اليها ومن ثم حجزها تمهيدا لمصادرتها، وفي بعض الاحيان يكون طول الآجال الزمنية المخصصة لاجراء تلك التحقيقات عقبة امام قاضي التحقيق مما يؤدي الى تأخير حسم الدعاوى وتراكمها، وتتمثل بعض التحديات بالدمج القائم بين الأنشطة القانونية و غير القانونية (عمليات تبييض الاموال مما سيؤدي الى صعوبة (تحديد الأصل الإجرامي والمستفيد الحقيقي)، وتتمثل بعض العقبات بتطور وسائل الدفع (الإلكترونية والافتراضية) مما سيُعقد من امكانية الحصول على المعلومة، في حين تتعلق بعض التحديات بتحديد موقع الأصول في الخارج بحكم(التعاون الدولي الضعيف والبطيء والمعقد) وضعف التنسيق بين السلطات المختصة (تعدد الهيئات المختصة باجراء تلك التحقيقات).
ونأمل اخيرا أن يُسهم التحقيق المالي الموازي في الحد من جرائم غسل الأموال اذا ما توفرت عوامل نجاحه ابتداءً من التكامل المؤسسي بين السلطة القضانية والدوائر ذات العلاقة مرورا بأستخدام التكنولوجيا لتسهيل الكشف عن انماط تلك الجرائم وصولا الى التعاون الدولي المطلوب في بعض الاحيان بهذا الصدد.
أقرأ ايضاً
- أمثلة استغلال الديمقراطية.. توجه العراق نحو الليبرالية الجديدة - الجزء الثامن
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء الثلاثون والأخير
- أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ - السَّنةُ الثَّانيَةُ عشَرَة - الجزء التاسع والعشرون