
بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
أن تتثاءب أنت.. أتثاءب أنا، يتثاءب الآخرون من حولنا… هذا ما يسميه العلم بظاهرة السلوك المقلد والتي يتفاعل فيها الشخص بشكل تلقائي في بعض الظواهر مع الأخرين، يعزو العلماء ذلك الى نوع من الخلايا الدماغية تسمى الخلايا العصبية المرآتية وهي خلايا تسهم في ان يشارك الفرد الحالات التي يقوم بها أفراد آخرون في التعلم والتعاطف والتقليد… ولا تقتصر عدوى الافراد لبعضهم على حالات التثاؤب واللغة والتعاطف والتعليم بل ان هناك وعلى الجانب الآخر عدوى تقليد الحالات السلبية او ما يمكن ان اسميه عدوى التثاؤب الإجرامي فالأفراد يقلدون بعضهم عندما يرتبكون جريمة او اي فعل يشكل انتهاكا للقوانين كمخالفة قواعد إشارة المرور والتهرب الضريبي وأعمال النهب التي ترافق أوقات غياب السلطة والانفلات الأمني.
ويرى تارد -وهو عالم اجتماع فرنسي- أن الجريمة ظاهرة اجتماعية تحدث تحت تأثير البيئة والتقليد وكلما زاد اتصال الأفراد واحتكاكهم بالمجرمين زادت احتمالات تقليدهم للظاهرة الجرمية حتى اصبحنا أمام عدوى جرمية او ما يسميه تارد بالتماثل الاجتماعي، ورغم الكثير من المؤاخذات على ما طرحه تارد من آراء تنظيرية للجريمة إلا أن سمة تقليد الأفراد وتأثرهم ببعضهم في مجال ارتكاب الجريمة امر لا يمكن تجاهله او غض الطرف عنه فخذ مثلا ظاهرة تفشي الرشوة في بعض الدوائر بشكل يكاد ان يكون مثل تفشي فايروس الأنفلونزا فلا ينجو منها الا النزر القليل من الموظفين وهؤلاء ومما لا شك فيه يكونون من اصحاب الثوابت العالية وخذ مثلا ظاهرة تفشي استغلال النفوذ والسلطة التي لا يترك ممارستها ويبتعد عنها إلا من رحم ربي وخذ مثلا هنا ومثلا هناك ومثلا بين هذا وذاك.
إلا ان الأمل معقود على أولئك الأشخاص الذين يقطعون سلسلة التماثل الاجتماعي السلبي بما يمتلكون من قدرة على مواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية وعدم الانجرار وراء تقليدها والتماثل معها.