
مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل ودخول منشآت الغاز دائرة الاستهداف، يجد العراق نفسه أمام أزمة جديدة قد تعصف بقطاع الكهرباء، إذ أن الاعتماد الكبير على الغاز الإيراني يجعله الأكثر عرضة للأضرار في حال توقفت الإمدادات فجأة، ومع دخول الصيف وارتفاع درجات الحرارة تتزايد المخاوف من عودة انقطاعات الكهرباء لساعات طويلة، في وقت تتحرك فيه الحكومة بخطط بديلة قد لا تكون كافية لتفادي أزمة وشيكة.
وأثار استهداف حقل “بارس الجنوبي” الإيراني، الذي يعد من أكبر حقول الغاز في العالم، حيث يشكّل 70 بالمئة من الغاز المستخرج في البلاد، ومصدر تزويد العراق بالغاز، مخاوف واسعة من توقف الإمدادات بشكل كامل، خاصة بعد إعلان طهران عن توقف إنتاج جزئي من بعض وحداته، وهو ما ينذر بتراجع إنتاج المحطات العراقية من الطاقة، حيث تعتمد على هذا الغاز، في وقت تواجه فيه البلاد ذروة الأحمال مع ارتفاع درجات الحرارة.
ويكشف مصدر رفيع في وزارة الكهرباء، أن “اجتماعا طارئا ضم كبار المسؤولين والفنيين، لمناقشة آخر المستجدات الأمنية وتأثيراتها على إمدادات الغاز الإيراني، وطرح بدائل عاجلة لتقليل الضرر المتوقع على منظومة الإنتاج الوطني”.
ويضيف المصدر الذي طللب عدم ذكر اسمه، أن “من بين الخيارات المطروحة تشغيل بعض المحطات بالوقود السائل بشكل مؤقت، وإعادة توزيع الأحمال بين المحافظات، إضافة إلى إمكانية تفعيل بعض العقود مع شركات أجنبية لتوريد كميات محدودة من الوقود أو الغاز المسال عبر دول مجاورة رغم ارتفاع التكاليف”، وفقاً لصحيفة العالم الجديد.
ويوضح أن “الوزارة تدرك أن هذه البدائل ليست حلولا طويلة الأمد، لكنها محاولة لتقليل ساعات الانقطاع في حال تصاعد الأزمة” مبينا أن “ملف الربط الكهربائي مع الخليج ما زال يواجه تحديات، ولم يحقق حتى الآن أي نتائج ملموسة يمكن التعويل عليها لسد النقص المتوقع”.
ويستورد العراق حاليا من إيران ما بين 40 إلى 45 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، تستخدم لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء في وسط وجنوب البلاد، وتشكل هذه الكميات ما نسبته نحو 30 بالمئة من إجمالي الطاقة المنتجة محليا، إذ تغذي قرابة 7,000 إلى 8,000 ميغاواط من القدرات التشغيلية، خاصة في محافظات البصرة وذي قار وميسان وبغداد.
ويعد حقل “بارس الجنوبي” من أكبر حقول الغاز في العالم، إذ يضم احتياطات هائلة تقدر بنحو 14 تريليون متر مكعب، ويقع قبالة سواحل محافظة بوشهر جنوب إيران.
ويمثل هذا الحقل ركيزة أساسية لإنتاج الغاز في إيران، ويغطي نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي وكذلك صادرات الغاز إلى العراق وتركيا وأجزاء من باكستان، رغم العقوبات الدولية، ويغذي الغاز المستخرج منه شبكة واسعة من محطات الكهرباء والصناعات البتروكيمياوية ويعتبر مصدرا مهما لتوليد العملات الأجنبية عبر اتفاقيات بيع الغاز والنفط المصاحب، وهو ما يجعل استهدافه ضربة قاسية للبنية التحتية الإيرانية وللاقتصاد المرتبط بالطاقة.
ويقع الحقل ضمن بنية تحتية حيوية تنتج نحو 34 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا، أي ما يعادل 7 بالمئة من الإنتاج العالمي، فيما يتقاسم مساحته التي تُغطي تسعة آلاف و700 كيلومتر مربع، كل من إيران وقطر، حيث تطلق عليه طهران حقل “بارس” الجنوبي وتستحوذ على ثلاثة آلاف و700 كيلومتر مربع، بينما تسميه الدوحة “حقل الشمال” على مساحة ستة آلاف كيلومتر مربع في المياه الإقليمية القطرية.
بدورها، تؤكد عضو لجنة النفط والطاقة النيابية، انتصار الموسوي، أن “العراق يمر بمرحلة حساسة في ملف الطاقة بسبب ما يحصل في المنطقة، ما دفع الحكومة إلى تقليص ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين”.
وتبين الموسوي، أن “الوقت الحالي غير مناسب لإجراء مفاوضات جديدة مع إيران بسبب دخولها في صراع مباشر مع إسرائيل، ما يزيد من تعقيد الموقف ويقلل من فرص التوصل إلى تفاهمات قصيرة المدى”، مشيرة إلى أن “وزارة الكهرباء لديها خطط بديلة، عبر التعاقد مع شركات أجنبية، ووجود توجهات حكومية لتأمين مصادر بديلة للغاز الإيراني والعمل على تحسين كفاءة المنظومة الكهربائية المحلية، رغم بعض التحديات الراهنة”.
وكان النائب ضياء هندي الحسناوي، حذر في تصريح صحفي يوم أمس، من أن ما يجري إقليميا، خصوصا بين إيران وإسرائيل، بدأ يلقي بظلاله على ملف الطاقة في العراق، لاسيما استيراد الغاز الإيراني الذي تعتمد عليه محطات الإنتاج بشكل رئيسي، وخاصة في المحافظات الوسطى، فيما أشار إلى ان البدائل موجودة نظريا منذ سنوات، كالتوسع في الربط الكهربائي مع الخليج والأردن وتركيا، واستثمار الغاز المصاحب، ودعم الطاقة الشمسية، لكنها تأخرت كثيرا في التنفيذ.
من جهته، يحذر الخبير في مجال الطاقة محمد هورامي، من “أزمة طاقة قد يواجهها العراق بسبب القصف الأخير على حقل بارس، خاصة وأن حريقا هائلا امتد إلى مصافي تكرير النفط في تبريز وعبادان، ما ينذر بأزمة عميقة في إمدادات الطاقة”.
ويردف هورامي، أن “تدمير محطات الكهرباء ومنظومات النقل والتوزيع سيؤدي إلى انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي، كما أن البحث عن بدائل سريعة في هذا الوضع يبدو صعبا وغير مجد، ما سيؤثر بشكل مباشر على العراق باعتباره من الدول المعتمدة على استيراد الغاز الإيراني”.
ويشدد على أن أي “تصعيد عسكري إضافي بين إيران وإسرائيل سيكون له تأثير سلبي كبير على قطاع الطاقة في العراق، سواء من خلال تدمير البنية التحتية أو اضطراب الأسواق العالمية، خاصة إذا ما علمنا أن منصة الغاز المسال في العراق، ورغم كونها خطوة أولى ومهمة، إلا أنها لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى وقت طويل لتكون بديلا فعليا”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- مكتب السيد السيستاني بـ"معامل" بغداد: نعالج مرضى ونقدم مساعدات إنسانية للفقراء (بغداد)
- بغداد توجه تحذيراً عاجلاً للطلاب العراقيين في إيران
- مرصد بيئي: أمانة بغداد ترتكب "كارثة بيئية" بقطع الأشجار المعمّرة