- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤشّرات الاقتصادية الأمريكية في الربع الأول من هذا العام الآثار والتوقّعات

بقلم: شوان زنكَنة
أظهرَ تقريرُ وزارة التجارة الأميركية الصادرُ يوم الأربعاء، 30/4/2025، أنّ مؤشّرَ أسعارِ المستهلكين سجّلَ نسبة 2.3% في شهر مارس، مقارنةً بالعام السابق، منخفضًا عن نسبة 2.5% المسجَّلة في فبراير. وارتفع مؤشرُ أسعارِ المستهلكين الأساسي بنسبة 2.6%، مقارنةً بالعام الماضي، أي أقلّ من نسبة 2.8% المسجَّلة في فبراير.
وكان التضخّمُ في أمريكا، الذي يُقاس وفق مؤشّر أسعار المستهلكين، قد اتّخذ مسارَ الانخفاض شهريًّا منذ فترة، بسبب الركود، وانخفاض أسعار النفط، وارتفاع مؤشّر الدولار، ولغاية قيام ترامب برفع الرسوم الجمركية على معظم دول العالم،
كما وانكمشَ الاقتصادُ الأميركي بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الجاري، بمعنى: تراجعَ نموُّ الناتج المحلي الإجمالي بمقدار (-0.3%) على أساس سنوي في تلك الفترة، وذلك بسبب زيادةٍ غيرِ مسبوقة في الواردات نتيجة استباق الشركات الأميركية للرسوم الجمركيةالكبيرة التي فرضها ترامب، متجاوزًا توقعات المحللين الذين قدروا نموًّا بنسبة 0.3%. وكان الاقتصاد قد سجّل نموًا بلغ 2.4% في الربع الأخير من عام 2024.
وكان ترامب قد فرضَ زياداتٍ كبيرةً على السلع الواردة إلى أمريكا من كافة دول العالم، سعيًا منه إلى إعادة إحياء قطاع التصنيع، وتعزيز الصادرات، وتحقيق فائض تجاري، وزيادة الإيرادات الحكومية، إلا أنّ هذه الزيادات الجمركية قد تجلب معها خللًا في سلاسل الإمدادات وارتفاعًا في الأسعار، حسب توقعات بعض المحللين والمراقبين، في حين يعتقدُ غيرُهم أنّ الشركات قد خزّنت الواردات، وهو ما قد يؤدي إلى توفير دفعةٍ للنمو في الربع الثاني من العام الجاري، ويخفّف من وطأة الخلل في الإمدادات.
وجاء نمو الوظائف في أميركا خلال شهر نيسان أعلى من المتوقَّع، رغم مخاوف تأثير الرسوم الجمركية المفروضة من قبل ترامب، إذ ارتفعت الوظائفُ غيرُ الزراعية بمقدار 177 ألف وظيفة بعد التعديل الموسمي، وهو ما يقلُّ قليلاً عن رقم مارس آذار المعدل هبوطاً والبالغ 185 ألف وظيفة، لكنه تجاوز توقّعاتِ داو جونز التي أشارتْ إلى إضافة 133 ألف وظيفة فقط.
لكن، في المقابل، استقر معدّلُ البطالة عند 4.2% كما كان متوقَّعًا، ممّا يشيرُ إلى أنّ سوقَ العمل لا يزال يحافظُ على استقراره النسبي، في حين أنّ الزيادةَ في أجر الساعة جاءت تحت المتوقَّع، إذ سجلتْ في شهر نيسان زيادةً بنسبة 0.2% على أساس شهري، و3.8% على أساس سنوي.
مؤشّرُ أسعار المستهلكين (التضخم)، المُعلَنُ والأساسيُّ، جاء وفق ما تشتهيه سفن الاقتصاد الأمريكي، واستقرارُ معدّلِ البطالة، ومجيءُ الزيادةِ في أجر الساعة دون المُتوَقَّعِ، أضَافَا دفعًا باتجاه تشجيع جيرم بأول، رئيس البنك الفدرالي، على التجرُّؤِ لتخفيض سعر الفائدة، الذي تنتظره الأسواق الأمريكية المعانية من الركود والكساد، والذي يطالب به ترامب، أما نمو الوظائف الأمريكية في شهر نيسان أعلى من المتوقَّع، فهو يشير إلى أن الأسواق الأمريكية ما تزال نشيطة، وهذا يعني أن بوصلة التضخم لا تزال تشير إلى الارتفاع، وهو ما قد يجغل جيروم بأول مترددا في قرار خفض سعر الفائدة.
ومما يثيرُ مخاوفَ جيروم بأول، ويزيدُ من تردده في خفض سعر الفائدة، هو نتائج ومآلات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي ستظهر خلال الأشهر القادمة، لذلك، أعتقد أن بأول سيَتريّثُ في قراره حول سعر الفائدة لحين زوال ضبابية الرسوم الجمركية، وهو ما أظنه خطأ جسيم منه، لأن الأسواق الأمريكية تعاني، فعليا، من ركود استمر لفترة طويلة، لم تعد تتحمله.
هذه المخاوف، والتوترات الجيوسياسية العالمية، وتناقضات المؤشرات الاقتصادية ستزيد من حيرة جيرم بأول، الذي اعتاد على التردّد والتريّث منذ تعامله مع نتائج جائحة الكورونا، والذي تأخر في اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة حتى بلغ التضخم أكثر من 9%، وكان ذلك خطأً جسيما أرتكبه بسبب تردّده وسوء تقديره للموقف، ويبدو أنه يتجه لارتكاب نفس الخطأ، وباتجاه معاكس، فيتريّث في خفض سعر الفائدة، على الرغم من وجود فسحة كبيرة بين التضخم البالغ 2.3%، وسعر الفائدة البالغ حوالي 4.5%، وقد يتعرض، لهذا السبب، إلى الضغط من ترامب، فيضطر إلى الاستقالة، التي انتظرها منه بفارغ الصبر.
أتوقّع، وبضغوط من ترامب والأسواق الأمريكية التي تعاني من الركود، أن يضطر جيروم بأول إلى خفض سعر الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس (0.25%)، أو 500 نقطة أساس (0.5%)، في أول اجتماع للفدرالي، وهو ما سيدفع مؤشرات البورصات وأسعار الذهب والفضة والعملات المشفرة إلى الارتفاع نسبيا، إضافة إلى انتعاش الأسواق الأمريكية وانخفاض نسبة البطالة.
أقرأ ايضاً
- تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية.. تهديد أم فرصة للعراق؟
- العقوبات البديلة في اطار الجرائم الاقتصادية
- المهندسون وحجر الزاوية في السياسات الاقتصادية والتنموية العراقية