
بقلم: ابراهيم قاسم
منذ عام 2003، يُعد سكان سهل نينوى من أكثر الفئات تضررا، حيث عانوا من العنف، وواجهوا التهجير والتهديد المباشر من داعش والجماعات المتطرفة وعاشوا التهميش الحكومي في ظل صمت سياسي كامل من زعامات نينوى، دون موقف حقيقي أو تضامن فعلي.
الكثير من الطلاب قد تركوا مقاعد الدراسة تحت تهديد القتل، وموظفون اضطروا إلى ترك وظائفهم في مركز المحافظة لغياب البدائل في الأقضية والنواحي أما الوظائف والمناصب فكانت حكرا على جهات محددة، وكان على المواطن أن يدفع مبالغ طائلة لإنجاز معاملة بسيطة دون حتى الدخول إلى مركز المدينة وهذه ليست حالات فردية، بل نمط حياة قسري فرض على الناس سنوات طويلة.
يتطلع السكان الآن إلى تشكيل محافظة خاصة بهم، يرون فيها بارقة أمل لتأمين حقوقهم وإنهاء التبعية والتهميش وفي المقابل يعتبر بعض السياسيين هذا المشروع غطاءً لتمرير مشروع "إقليم نينوى"، ما دفع بعض أعضاء البرلمان إلى رفض هذا التوجه، وظهرت مواقف متضاربة حول شكل التقسيم: هل نينوى بحاجة إلى إقليم؟ محافظة جديدة؟ أم عدة محافظات؟
في حال تم إنشاء محافظة سهل نينوى، تبرز أسئلة حقيقية: ما هي حدود هذه المحافظة؟ من هي الأغلبية السكانية فيها؟ هل هم الشبك، أم المسيحيون، أم الإيزيديون؟ هل ستقبل الأغلبية السنية في نينوى بوجود محافظة غير سنية داخل مناطقهم؟
الواقع يشير إلى أن هذا المشروع قد يجهض قبل أن ينفذ وإن أُقيمت المحافظة، فستكون قرى الشبك محاذية للموصل، ما يعني أنها ستكون خط تماس محتمل أو حدود تفصل بين طرفين في حالة توتر دائم وفي ظل استمرار الأوضاع كما كانت قبل 2014، فإن العنف لن يختفي، بل سينتقل بوجه آخر.
المشكلة الأهم: هل سيؤمن المشروع حياة كريمة للمواطن؟ هل ستعود الأقليات بثقة إلى مناطقها؟ هل ستبنى هذه المحافظة على أسس واقعية أم ستكون ذريعة لتقسيم سياسي أوسع؟
الأقليات لا تطالب بالتقسيم، بل تطالب بالكرامة وهم من أنقذوا الدستور العراقي عندما صوتوا له، رغم أن محافظات مثل ديالى والأنبار ونينوى امتنعت عن التصويت فكان للأقليات في نينوى موقف وطني واضح، وهذا ما يجب الاعتراف به.
سهل نينوى منطقة تعكس تنوع العراق لكنها تواجه تحديات ضخمة في طريق التحول إلى محافظة، وهناك أزمة مالية خانقة، وخلافات سياسية داخلية، وتناقض في الرؤى بين الأطراف المؤثرة.
الحل العملي يبدأ برعاية دولية مستقرة، تتبعها معونات ومبادرات تنموية لكن هذا لن يجدي دون توافق وطني حقيقي ويجب العودة إلى الدستور، واحترام رأي السكان عبر استفتاء شفاف وفي أجواء آمنة.
ويبقى الأمل أن يصاغ القرار داخل العراق بيد العراقيين، ومن أجل العراقيين كل تدخل خارجي ينتقص من السيادة، وكل تجاهل لصوت الناس يهدد الاستقرار.
المطلوب الآن ليس إعلان محافظة بل ضمان أمن وكرامة وحياة تستحق العيش.
أقرأ ايضاً
- نينوى في دائرة النار من جديد.
- الاعتذار .. سهل ممتنع تتهاوى عند أعتابه الرجال
- أهمية اقامة سد في محافظة ميسان جنوب العراق