
يعود ملف “الفيول” العراقي المرسل إلى لبنان، إلى الواجهة من جديد، ولكن بتجديد جديد يخالف النسخ الثلاث السابقة من العقد، إذ اعلنت لبنان، إنها اتفقت مع العراق لاستيراد النفط الخام بدلا من الفيول، على أن يكون تسديد ثمن الشحنات هذه المرة نقداً وفوراً لا على المنصّة، جاء ذلك في الوقت الذي لم يسدّد لبنان سوى 118 مليون دولار من أصل 2 مليار دولار من الديون المتراكمة له مع العراق.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصدر حكومي مسؤول، إن “لبنان أرسلت وفدا إلى العراق (مؤلّف من رئيس مجلس إدارة إيدال مازن سويد والعميد حسن شقير) واتفقا مع المسؤولين هناك على تجديد عقد توريد نحو 2 مليون طن من النفط الخام بعدما كان يورّد الفيول”.
وأوضح أن “العقد تم الاتفاق عليه بعد تعديل في نوعية الكمية التي أصبحت نفط خام بدلاً من فيول، وبعد تعديل في آلية السداد حيث اتُّفق على أن يكون تسديد ثمن الشحنات هذه المرة نقداً وفوراً لا على المنصّة، أي إن الدفع سيكون بالدولار عبر التحويل من مصرف لبنان إلى الخارج”.
وأشار إلى أن “ممثلي لبنان في المفاوضات واجهوا صعوبة بالغة، إذ إن الحكومة العراقية كانت بحاجة إلى إثبات حسن نيّة لبنان في السداد ولا سيما بعد كل هذه التسهيلات والتأخير”، مبينا أن “المنصّة الخاصة بهذه الخدمات شارفت على الإنجاز وستوضع قيد التطبيق قريباً، وبالتالي لم يعد بإمكان لبنان البحث عن مبرّرات وذرائع للتخلف عن السداد، وقد انعكس هذا التخلف عن السداد على تجديد العقد للمرّة الرابعة”.
والفيول مزيج من الزيوت التي تبقى في وحدة تكرير النفط بعد التقطير (وقود ثقيل) ويحرق في الفرن أو المرجل لتوليد الحرارة أو لتوليد الطاقة الكهربائية أو الحركية.
ووقع لبنان مع العراق اتفاقاً في تموز 2021 لاستيراد مليون طن من وقود الفيول للتخفيف من أزمة الكهرباء في البلاد، ووصلت أول باخرة إلى لبنان محملة بـ31 ألف طن من هذه المادة في 16 أيلول 2021.
ويواجه لبنان ديونًا متراكمة لصالح العراق تتجاوز مليار دولار، تشمل مستحقات النفط الخام المورّد منذ 2021، إضافة إلى ديون أقدم تعود لفترة ما قبل 2003.
ورغم عدم سداد بيروت لهذه المستحقات، يستمر العراق في تزويدها بالنفط، مراعيًا الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وحتى نهاية 2024 ومع استمرار تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، تراكم على لبنان مبلغ هائل مقابل شحنات الفيول، حيث لم يسدّد سوى 118 مليون دولار من أصل 2 مليار دولار، ويعود هذا الدين المتراكم إلى ثلاث نسخ متتالية من العقود المجددة بين الطرفين.
الجدير بالذكر أن العراق منذ بدء الحرب الإسرائيلية ، نهاية أيلول سبتمبر 2024 على لبنان كان أول المبادرين في الدعم إذ أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في 3 تشرين الأول أكتوبر 2024، عن تبرعه وأعضاء حكومته براتب شهر ضمن عمليات الإغاثة للبنان وقطاع غزة، وفتح حسابين لإيداع التبرعات، فضلا عن إستقبال النازحين ودمج الطلاب اللبنانيين في المدارس العراقية.
وكان الخبير النفطي كوفند شيرواني، أكد في تصريح سابق، أن “العراق ومنذ اندلاع حريق مرفأ بيروت قدم الكثير من المساعدات الغذائية والمحروقات من دون مقابل إلى دولة لبنان، ثم جرى تنظيم هذا الأمر بشكل تعاقد على أن يكون هناك نوع من المقايضة، بأن يرسل العراق مادة الكازوايل (زيت الوقود الثقيل) المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء مقابل تزويده بالمواد الغذائية من لبنان”.
وأضاف أن “الأسعار التي تحتسب فيها المنتجات النفطية لا تعرف ما إذا كانت وفق القيمة السعرية العالمية أم هي أسعار تفضيلية، فالجانب اللبناني كان واضحا في أنه يسعى إلى الحصول على مشتقات نفطية بأسعار تفضيلية على غرار ما يمنح للأردن”.
وكان اعتماد لبنان على الشحنات العراقية حيوياً جداً، ففي السنوات الأربع الماضية، كان لبنان ينتج الكهرباء بواسطة الفيول العراقي بشكل أساسي إلى جانب المعامل المائية وبعض الشحنات التي اشترتها وزارة الطاقة في الفترة الأخيرة.
والعقد مع العراق هو عقد مبادلة، يحصل بموجبه لبنان على فيول غير صالح للاستعمال في معامل الكهرباء لكنه يبادله مع شركة أجنبية بكميات صالحة للاستعمال في المعامل. في المتوسط كان يحصل على طن صالح للاستعمال مقابل كل 2 طن من الشحنات العراقية. تتغير المعادلة بتغير الأسعار والنوعية، بهذا المعنى، إن ثمن الشحنات ليس هو المبلغ الوحيد الذي يترتب على لبنان، إذ كان عليه أن يدفع ثمن المبادلة أيضاً، لكن آلية السداد كانت أيضاً بطرق لا تفرض عليه ثمناً مباشراً، أي إنه كان يدفع الكلفة من كميات النفط الخام الذي لا يدفع ثمنه.
ولم يدفع لبنان للعراق بعد ثمن النفط الذي حصل عليه، لأسباب من بينها أن هناك بعض الشروط غير واضحة في الاتفاقية، فالعقد المبرم بين الطرفين ينص على أن يودع لبنان أموالا في حسابه بالدولار، ويمكن للعراق سحبه بالليرة اللبنانية لإنفاقه (داخل السوق اللبنانية) على “السلع والخدمات”، مثل الخدمات الطبية، دون وضوح في سعر الصرف الذي يختلف بين التسعيرة الحكومية والسوق السوداء، ولا طبيعة الخدمات التي من المفترض أن يحصل عليها العراق.
ويمثل تجديد العقد مع العراق تحدياً للحكومة اللبنانية، إذ إن ثمن الشحنات يجب أن يُدفع من خلال مصرف لبنان، علماً أنّ لدى مؤسسة كهرباء لبنان نحو 300 مليون دولار من الجباية التي تحتفظ بها لشراء الوقود اللازم للمعامل بموجب مناقصات عمومية تتم دورياً، كما أن المشكلة تكمن في أن لبنان ليس قادراً على تشغيل معامل الكهرباء القائمة حالياً، أي إن المشكلة ليست في الهيئات الناظمة ولا في الاستثمار في القطاع.
أقرأ ايضاً
- بعدَ توقف دام أكثر من 15 عاماً : تدشين معامل الحديد والصلب بالبصرة في أيار المقبل
- خطط "إيقاف استيراد السيارات" في العراق.. "تعطش" للضوابط و3 ملايين سيارة قد "تختفي"
- انخفاض أسعار الدولار في العراق مع إغلاق البورصة مساء اليوم