- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ماذا أعدّ المحتضر للقاء الله؟!
حجم النص

بقلم:حسن الهاشمي
هل اعددت العدّة لسكرة الموت؟! هل وطّنت نفسك لملاقاة رسل الموت بما يحملونه من أمر عظيم؟! هل تعلم ان الأمر العظيم يحمل بين طيّاته مصيرك الأبدي إما خير محظ أو شر محظ لا خيار ثالث لهما؟! هل انك مدرك أنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم أي المنزلتين يصل؟! انها اللحظة الحاسمة، انها اللحظة المصيرية، انها اللحظة التي ستنتقل من خلالها اما الى الجنة والنعيم الدائم، أو الى النار والعذاب المهين، فاللحظة الحاسمة والمحطة الموصلة هي انعكاس لما بدر منك في الحياة الدنيا، من زرع الخير والمعروف يقطف الراحة المطلقة والنعيم الدائم، ومن زرع الاثم والشرور يكتوي بنار هشيم ما زرع ويتقلب في أهوال ما اقترفت يداه في دنياه الصاخبة، اسع سعيك بأن تكون وليا لله تعالى لا عدوا له، الدنيا بما فيها من مزايا ومغريات زائلة لا محالة، حاول ان تستثمر تلك المزايا لتعيش حياة طيبة مباركة في الدنيا وحياة خالدة سعيدة في الآخرة، وإلا ما فائدة حياة حتى لو قلنا مرفّهة ولكنّها مشوبة بالمشاكل والزوال؟! اعلم ان حياتك في الدنيا إن لم تكن قنطرة للعبور الى حياة الخلد لا فائدة مرجوة منها!.
عظيم من جعل نفسه وليّا لله تعالى واتخذ من الموت نافذة له الى الحيوان الأكبر وما أعد الله له فيها من نعيم دائم لا انقضاء له ولا بوار، وحريّ بمن يمتلك تلك الطاقة الايجابية ان يضع جلّ بيضاته في مفقس الآخرة لتفرّخ له حياة أبدية هانئة، ويكتفي بالقليل من البيض الدنيوي ليصل الى تلك النتيجة المتوخاة، انها الجائزة الكبرى ان تفرّغ نفسك من كل شغل، وتضع عنها كل ثقل، تفرّغ نفسك لما ينفعك من أمر الدنيا والأخرة، وتضع عنها ما يضرك في الدارين، واعلم انك ان لم تقم بذلك فانت الخاسر الوحيد والمغبون الذي لا يمكن لأحد ان يرفع الغبن عنك غير عملك الصالح وما تبذله من خير في الحياة الأولى.
حبّ الدنيا والانجذاب اليها رأس كل خطيئة، انها الخسارة الكبرى، وكيف لا تكون كذلك وانت بأعمالك الشريرة تجعل من نفسك عدوا لله تعالى، وهذه هي الطامة الكبرى والرزية العظمى، أن تفتح على نفسك الضعيفة بعملك القبيح أبواب جهنم وغضب من الله تعالى أعظم، وانت لا غيرك وعملك القبيح هو الذي أوصلك الى ذلك النفق المظلم، وأنت لا غيرك قد شرّعت له طرقه وهيأت له أسبابه، ليتك ان تنظر الى ما أعدّه الله تعالى لك في نهاية ذلك النفق المهول، متى تقف على تلك الحقيقة؟! تقف على تلك الحقيقة عندما يطرق الموت أبوابك فانك ستستقبل كل مكروه وتترك خلفك كل سرور، يكون بصرك ثاقبا حديدا ترى عاقبتك بوضح، وتستقبل مصيرك المحتوم بلا أدنى شك أو ترديد أو رجوع، حينئذ تستيقنها النفس البشرية انها الجد وليس الهزل، واليقين وليس الظن، والحقيقة وليس الخيال.
فريقان لا ثالث لهما تتبيّن ملامحهما حين الاحتضار ونزول الموت في ساحة العبد، وهي حصيلة الانسان بما يعمله من حسنات أو سيئات في الحياة الدنيا، الفريق الأول: نور الهداية يضئ قلوبهم لتشرق بنور ربها، فيسيرون بخطى ثابتة نحو هدفهم المقدس: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة: 257. هؤلاء الثلة المؤمنة هم الذين يرسمون طريق المجد بجدّهم واجتهادهم في طاعة الله والتزام اوامره واجتناب معاصيه، لكي يكون الموت والاحتضار قرة عين لهم، وهو بمثابة باب حطة للذنوب والدلوف الى رحمة الله تعالى من أوسع أبوابها: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 32.
أما الفريق الثاني، فليس لديهم هدف واضح يطمحون إلى بلوغه، ولا هدى بيّن يسيرون في ظلّه، بل هم سكارى تتقاذفهم أمواج الحيرة في بحر الضلالة والكفر: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة: 257. هؤلاء الثلة الكافرة هم الذين يرسمون طريق الضلالة وما يؤول اليه من منغصات واسقام ومتاعب بما كسبت ايديهم في معصية الله تعالى وما يترتب عليها من ظلم وتعاسة وخسران: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 28.
طيب الاقامة، سقم الاقامة، حالتان تترصدان بالإنسان نعيما أو جحيما، هو لا غيره يحدد أحدهما باعتقاده وسلوكه وما يبدر منه من قول أو فعل أو تقرير، يحدث كل هذا في الحياة الدنيا بما كسبت أيدي الناس، وتكون تجلياتها واضحة للعيان حين يطرق الموت باب الانسان، فيتمثل لها العمل الصالح رجلا طيبا يستقبله بكل رحابة صدر وطلاقة وجه، ويتمثل لها العمل الطالح رجلا خبيثا يورده ما يستحق في ظلمات الجحيم.
الموت هو النافذة الحتمية على الجنة لمن أطاع الله تعالى، والنافذة الحتمية على النار لمن عصى الله تعالى، وكل سائر الى هذا الأمر الحتمي الوقوع فانه لا يتخطّى إحدى النجدين إما شاكرا وإما كفورا، ومن الطبيعي في القول أنه يجب أن يتمتع أولئك الذين يتحركون حركة تنسجم مع قانون الحق والعدالة هذا، ولا يحيدون عنه ببركات عالم الوجود وينعمون بألطاف الله سبحانه، كما يجب أن يكون أولئك الذين يسيرون عكس هذا الطريق ويخالفون القانون طعمة للنار المحرقة، ومحطا لغضب الله عز وجل، وهذا ما تقتضيه العدالة، ومن هنا يتضح أن العدالة لا تعني المساواة، بل العدالة أن يحصل كل فرد على ما يناسبه من المواهب والنعم حسب مؤهلاته وقابلياته.
فلو تأملنا قوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ، فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الواقعة: 83 ـ 87. نلمس عظمة الخالق في اعطاء كل ذي حق حقه، فالإنسان يبقى ضعيفا ومحتاجا في مملكة الله تعالى، فانه محاسب ومدين ومملوك لله تعالى، لا يستطيع أن يخرق الحجب ولا ان يتخطى القوانين الطبيعية، نعم انها ميسّرة للأنبياء والاوصياء بإذن الله تعالى؛ لتثبيت دعائم الدين وهداية البشرية، ومن ضمن الأمور التي يقف الانسان عاجزا حيالها تسليمه المطلق لملك الموت حينما يأتي لقبض روحه، ولعل الاعجاز القرآني يتجلى حينما ينزل الموت بساحته ويضيّق عليه خناقه، والأقرباء والأصدقاء يجولون من حوله خدمة ورعاية وحماية، هنا يأتي التحدي القرآني، هل بإمكانك أيها المحتضر أو الذين يحومون حولك أن يرفعوا عنك غائلة الموت، وقتئذ تتبين عظمة القدرة الإلهية بأنكم جميعا منقادين الى قضاء الله وقدره، لا تستطيعون أن ترجعوا روح المحتضر مهما أوتيتم من قوة وسطوة وعدة، وحين معاينة الموت لا ينفع المحتضر سوى عمله الصالح الذي يرى منزله في الجنة مستبشرا، أما الذي اقترف الذنوب وتلوّث بالمعاصي والمآثم والمظالم فان الموت الذي ينزل بساحته سيقضي على كل سرور متباين، ويقبل على كل مكروه متيقن، ويا لها من قسمة ضيزى!.