
أصبحت الغازات السامة المنبعثة مع النفط المستخرج من آبار البصرة، حملا ثقلا آخر على كاهل قضاء الصادق، المتعب من غياب الخدمات، وفرص العمل لأبنائه، فهو بمثابة الموت البطيء له، وسط غياب الإجراءات الوقائية، أو التعويضية من قبل الجهات المسؤولة، بحسب مواطني القضاء الواقع شمالي البصرة.
فبعد التجاهل الحكومي، بحسب رأيهم، لاحتياجات القضاء العاجلة، أعلن ممثل حراك قضاء الصادق، الشيخ هيثم المنصوري، اليوم السبت، عن تدويل انتهاك الشركات النفطية معايير الصحة والسلامة، لدى المحاكم الدولية، مؤكدا أن استمرار الاستخراج النفطي في المناطق السكنية، يُعد خرقا واضحا لواجب الدولة، ويضع الجهات المسؤولة أمام مسؤولية قانونية داخلية ودولية.
وقال المنصوري، إن “التلوث القاتل الناتج عن النشاطات النفطية وتوسعها في مناطق المدينة، بلغ حدا لا يمكن من خلاله التعايش مع البيئة، فالضرر الصحي والبيئي بات يهدد الحياة بشكل مباشر ومستمر، حتى أصبحت البيئة غير صالحة للعيش البشري، بسبب الانبعاثات السامة الناتجة عن استخراج النفط وحرق الغاز، دون أدنى مراعاة للمعايير البيئية”.
وأضاف، أن “ما يجري يمثل قتلا مع سبق الإصرار والترصد، عبر الاستمرار في أنشطة نفطية ملوثة، رغم علم الجهات المسؤولة بخطورة ما يحدث، دون اتخاذ أي إجراءات وقائية أو تعويضية، وكأن حياة المواطنين قرب الحقول النفطية لا تندرج ضمن مسؤوليات الدولة”.
وأوضح المنصوري، أن “أبناء هذه المناطق لم يعد أمامهم سوى اللجوء إلى الوسائل القانونية الدولية لوقف نزيف الموت”، داعيا إلى “تظافر الجهود وجمع الأدلة وتقديم شكوى في المحاكم الدولية، ضد الجهات المسؤولة والشركات النفطية العاملة، لانتهاكها معايير الصحة والسلامة وعدم مراعاتها لسلامة السكان القريبين من مواقع الإنتاج”.
وأشار، إلى أن “أهمية إشراك المختصين في مجالات البيئة، والصحة، والإعلام الاستقصائي، لجمع الأدلة والبراهين التي تثبت حصول الضرر على الإنسان والكائنات الحية، نتيجة عمليات استخراج النفط”.
وأكد، أن “هذه التحركات ستستند إلى مجموعة من الوثائق والتقارير، أبرزها تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) نُشر في 28 تشرين الثاني 2023، كشف أن من بين الملوثات الناتجة عن حرق الغاز، جسيمات (PM2.5)، والأوزون، وثاني أكسيد النيتروجين، والبنزوبيرين (BaP)، والتي ترتبط مباشرة بأمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسرطان، والربو”.
وتابع، رئيس حراك قضاء الصادق، أن “التقرير ذاته أشار إلى أن العراق يحتل المرتبة الثانية عالميا، بعد روسيا في حرق الغاز، بواقع 18 مليار متر مكعب سنويا، وهي كمية تكفي لتوفير الكهرباء لنحو 20 مليون منزل أوروبي سنويا”، موضحا أن “مستويات جسيمات (PM2.5) في القرى القريبة من مناطق الحرق في العراق، وصلت إلى 100 ميكروغرام لكل متر مكعب في الساعة، وهو رقم مقلق للغاية”.
وبيّن المنصوري، أن “المادة 33 من الدستور العراقي تنص على حق الفرد في العيش في بيئة سليمة، وتُلزم الدولة بحمايتها، كما أن قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، يمنع الجهات الحكومية والخاصة من القيام بأي نشاط يؤدي إلى تلوث الهواء أو المياه أو التربة”
ونوّه إلى أن “المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، تلزم الحكومات بحماية مواطنيها من الانتهاكات البيئية الناتجة عن أنشطة الشركات”
واختتم حديثه بالتأكيد على أن “تجاهل هذه الحقوق والتشريعات، والاكتفاء باستمرار الاستخراج النفطي في المناطق السكنية، يُعد خرقا واضحا لواجب الدولة، ويضع الجهات المسؤولة أمام مسؤولية قانونية داخلية ودولية”.
ورصد رئيس المركز العراقي لحقوق الانسان، علي العبادي، تسجيل 25 ألف إصابة بالأمراض السرطانية خلال 4 سنوات في محافظة البصرة.
وحذر مختصون بشؤون البيئة في البصرة، مؤخرا، من مخاطر ارتفاع معدلات التلوث البيئي، في ظل عجز حكومة السوداني عن معالجة التخلف البيئي المتفاقم في العراق، والذي تسبب بتفشي الأمراض المزمنة، لا سيما السرطانية منها، فضلا عن تهديد السلامة العامة للعراقيين، منتقدين في الوقت ذاته انعدام التخصيصات المالية الكافية لمعالجة مشاكل البيئة في العراق، مشيرين إلى أن حكومة السوداني تخالف برنامجها في القضايا البيئية التي لها تأثير مباشر على صحة الناس.
وشهد قضاء الصادق بالبصرة، مطلع العام الجاري، تظاهرات غاضبة للمطالبة بالخدمات، وتوفير فرص العمل لأبناء المحافظة، فيما أمهل سكان القضاء رئيس الوزراء، يومين فقط لتحديد موقفهم التصعيد أو الانسحاب.
وعلى إثر ذلك، وجه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، بصرف مبالغ عاجلة لتنفيذ مشاريع خدمية سريعة في القضاء، وحسم الأراضي الخاصة ببناء مدارس، والمضيّ بإنشاء مستشفى، واستكمال إنشاء طرق رئيسة وفرعية تربط القضاء بالمحافظة، كما وجه الوزارات بسرعة تنفيذ قرارات سابقة اتخذها مجلس الوزراء، بشأن قضاء الصادق، ومناطق شمال المحافظة.
وكانت رشا عبد الحسين، مديرة إعلام مديرية حماية وتحسين البيئة للمنطقة الجنوبية، أكدت في تصريح صحفي سابق، أن “حقول النفط القريبة من التجمعات السكنية مثل، حقل مجنون، والفيحاء، والرميلة، والزبير تعد من أهم مصادر تلوث التربة التي تتعرض مباشرة للمخلفات النفطية المضرة، مما يؤدي إلى تصحرها وتدمير الغطاء النباتي فيها، وعند تطاير ذراتها في الجو يستنشقها السكان، وهذا يمثل التحدي الأول للصحة العامة هناك”.
وأشارت إلى أن “التلوث في البصرة لا يقتصر على انبعاثات الحقول النفطية، فقائمة الملوثات تضم أيضا، مياه الصرف الصحي التي تطرحها الشركات النفطية ومحطات الكهرباء والمصانع في شط العرب.
ويعد العراق ثاني بلد بحرق الغاز المصاحب بعد روسيا، وتُعد سُحب الدخان نتيجة الاستخراج النفطي، من أكثر العوامل التي تؤدي الى الإصابة بالأمراض المختلفة، وتحديدا الامراض الخبيثة.
وتسجل البصرة، 9 آلاف إصابة سنويا بالسرطان، نتيجة التلوث البيئي بثنائي أكسيد الكربون، وانبعاث غاز الميثان المصاحب للاحتراق الجزئي للغاز عند استخراج النفط، بحسب تقارير غير رسمية.
وفي تشرين الأول 2023، قالت وزارة الصحة، إن الحالات السرطانية بالعراق في تزايد يتماشى مع الزيادة السكانية، مبينة أن معدلات الإصابة بالسرطان هي ضمن المعدل العالمي، لافتة إلى أن نسب الإصابة به في العراق دون الـ80 حالة لكل 100 ألف شخص في العام الواحد.
يشار إلى أن القوات الأمريكية استخدمت في حربي 1991 و2003 للإطاحة بالنظام العراقي السابق، أسلحة محرمة دولية، وأخرى مشعة وبكميات كبيرة.
وعزت وزارة الصحة ومنظمات دولية، ارتفاع نسب الإصابات السرطانية في العراق إلى مخلفات تلك الأسلحة.
أقرأ ايضاً
- بهدف تأمين الحدود.. الحشد الشعبي ينفذ عملية أمنية غرب الأنبار
- في البصرة.. المنتجات النفطية تحبط عملية لتهريب الوقود
- اسرائيل تعلن انتهاء الهدنة وتقتل قياديين في حماس بغارات على غزة